أيهما القيوم الأزلي المقتدر الحبيب!
والروح - وهو رازح تحت ذاتك القاهرة -
يقدس قدرتك حتى في صمته الرهيب!)
ومهما قدس الروح قدرة الله، ومهما جد في البحث عنه وألقى اليد بذاته وخضع له في جميع أحواله، فلن يسلمه شيء من ذلك إلى أكثر من أن يحبه حباً يملك عليه مشاعره ويزيد شوقه وحنينه؛ فيستحيل هذا الحب في النفس الشاعرة ناراً مضطرمة لا تتراجع دون باب الله مهما طردت عنه حتى يؤذن لها بالدخول فيأخذ لهيبها في الانطفاء حين ترى عن قرب بعض صفات هذا الخالق العظيم.
(رباه! ما زال يلقي إليك بذاته
هذا الروح المحطم خاضعاً لإرادتك الأزلية.
ولما ضاق بالحب شاعراً أنه ختام حياته،
التهب لعرفان صفاتك القدسية!)
هذه صلاة الروح في معبد الطبيعة: ألحانها من السماء، ونورها من الله، وينبوعها الشعور والوجدان.
ومثل هذه الصلاة الروحية كثيراً ما صفا بها قلباً لامرتين وحبيبته، فانطلقا على نغماتها إلى العالم المجهول الذي يتخيلان الوصول إليه، فيجثوان بين يدي الإله الرحيم، ويصليان لوجهه الكريم، ويدعان الصباح والمساء يحملان إليه أنفاسهما الطاهرة ثم يستشعران في سكرتهما البون الشاسع بين السماء والأرض؛ فما الأرض إلا سجن أو منفى، وما المساء سوى المأمن والمأوى.
(ولما ختمت القول استجمع أنفاسنا قلبانا
إلى عالم مجهول حققته الآمال،
ودأب الصباح والمساء ينشدانه نجوانا
ونحن جاثيان أمامه بالغدو والآصال؛
فرأت عيوننا الأرض منفانا والسماء مثوانا
وهي سكرى في نشوة ما تزال!)