للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا صاعدت على جناح الحب في فضاء لا يتناهى

كأنها شعاع من أشعة النهار،

ثم امتزجت إلى الأبد في نفس من براها

بعد أن تصل إليه ولبها مستطار. . .)

والشعراء مهما استغرقوا في أخيلتهم لابد للشك أن يغزو قلوبهم؛ وما هو إلا أن يصحوا من سكرتهم، ويصرخوا في وجه الأقدار مستنسخيها ما تكتب أيديها، ومستنطقيها عز، ما تبيته لياليها؛ فهل هي خادعتهم عن أمانيهم وضاحكة من آمالهم أم ستجعل أخيلتهم حقائق، وأحلامهم واقعات؟

وكذلك فعل لامرتين. . . فإنه لما أحس استغراقه في خياله عاد إلى الأقدار يسألها: هل الكائنات مولودة للفناء؟ ثم يسألها بشيء من المرارة: هل ستفنى النفس مع الجسد إذا قضت عليها الشركة أن تقاسمه الموت؟ وهل سيبلغ القبر في جوفه هذه النفس في ظلام الليل؟ وما تصير بعد فنائها؟ أتستحيل غباراً متناثراً، أم تطير فوق الأحياء، ثم تذهب في الفضاء؟

وفي هذه الأسئلة حيرة الشاعر وتردده، وفيها خوفه على مصيره ورهبته من عاقبته وعواقب الناس.

(أيتها الأقدار! هل خدعتنا أمانينا؟

وهل الكائنات مولودة للفناء؟

وهل يبلغ القبر أناء ليالينا

نفسا تقاسم جسدها حكم القضاء؟

وهل تصير غبارا أم تطير حوالينا

ثم تتلاشى كصوت ذاهب في الفضاء؟)

وحين يختم لامرتين هذا اللحن الحزين في هذه القصيدة العصماء يأبى إلا أن يصرح بأن الروح الذي خاطبه وناجاه لم يكن سوى حبيبته (جوليا) فنراه يتغنى باسمها في البيت الأخير، مستعلما منها عما امتنعت الأقدار من أعلامه به، إذ يسألها بعد أن فاضت أنفاسها وفارقت دنياها: هل بقي على حبها شيء مما أحبت؟ وهل تشعر بحب هذا المقيم على العهد أم تريد على وفائه موثقا ودليلا؟ ثم يعلن لها أنه يهبها حياته، ويرجو أن تشهد مماته

<<  <  ج:
ص:  >  >>