القراء! ويبدو أنني كنت قليل الذوق لأنني تغافلت حتى اليوم عن الكتابة عنه، على الرغم من أن الكتاب قد أرسل إلي مع رسول خاص يحمل إلي رجاء صاحبه أن أخصه شيء من عطفي، وعلى الرغم من أن صفحته الأولى قد حملت إلي إهداء ضخما يمكن أن يرتفع بي إلى مكانة سانت بيف في النقد الأدبي!!
ومضت الأيام (والرسول الكريم) يلاحقني ليلا ونهاراً موفداً من قبل (الأستاذ) المؤلف لأكتب عن الكتاب ولو كلمة صغيرة في (الرسالة) ولكنني تماديت في قلة الذوق إلى الحد الذي دفعني إلى مصارحة (الرسول الكريم) بأنني أهين قلمي وأهين (الرسالة) وأهين عقول القراء إذا كتبت عن هذا الكتاب. . . وذهل (الرسول الكريم) ولم يجد بدا من نقل كلماتي إلى (الأستاذ) المؤلف، ولعله فعل هذا ليريح لسانه من كثرة الرجاء وقدميه من طول المسير!!
أنا على استعداد لأن أنقل إليك عبارات الإهداء الضخمة بالزنكغراف، وعلى استعداد لأن أذكر لك اسم (الرسول الكريم) وعلى استعداد لأن أقدم لك أسماء من شهدوا فصول القصة من الأدباء، لتدرك الدوافع الأصيلة لهذا الهجوم الذي (عطر) ثلاث صفحات من (المقتطف)؛ لقد كنت بالأمس في رأي الكاتب (النابه) أديبا كبيرا يشار إلى بالبنان فأصبحت اليوم في رأي الكاتب نفسه لاشيء. . . وسبحان من جرد الكاتب (الجهير) من ثوب الخلق والضمير، ومن أضاع ماء الحياء من وجوه بعض الأحياء!!
أترك هذا كله لأقول للكاتب (النابه) إن القائمة الطويلة التي قدمها إلي عن كتب الأستاذ سلامة موسى راجياً مني أن أعود إليها عسى أن أغير رأيي فيه، أقول له إن تلك الكتب بما تحمل في أحشائها من جراثيم الفتك بالقيم والتقاليد والضمائر والأخلاق والعادات، هي وحدها سبب حملتي عليه. . . فليرجع هو إليها ليغترف العلم من منابع الانحلال!
أما تلك الفقرات التي نقلها إليَّ من كتاب (تربية سلامه موسى) ليستدر بها عطفي على رجل (خدم الأدب والفكر قرابة أربعين سنة كي ينير ويعلم ويسمو بالشباب إلى مثليات القرن العشرين ويخرجهم من ظلمات القرون الماضية ويكافح هذا الشرق المتعفن الذي تنغل فيه ديدان التقاليد) إلى آخر هذا الكلام المضحك الذي ورد في ذلك الكتاب، أقول إن تلك الفقرات جديرة بالتصديق من نزلاء مستشفى المجاذيب!!