ونعوذ بالله من جند يختلف أحزاباً ويتفرق طرائق! إن الجند سياج الوطن المنيع، وحرزه الحريز، ينبغي أن تجتمع قلوبهم وألسنتهم وأيديهم على الذود عن ديارهم، لا تفرقهم الأهواء، ولا تتقسمهم النزعات.
وشئون أخرى للأمة لا تصلح إلا باجتماع الرأي فيها، واتفاق القلوب عليها. وشئون الأسرة أولى هذه الشئون بالتنزه عن التحزب، والتطهر من التعصب.
والمرأة ربة الأسرة، وملكة البيت، تنشر فيهما السلام والسكينة، وتبعد عنهما النزاع والضغينة، فتربِّي أولادها للوطن كله، وتنشِّئ ناشئتها للأمة جميعها. مثِّل لنفسك زوجين اجتمعا على مائدة، وقد تعصب كل منهما لحزبه، وجادل عنه، وذكر حزب الآخر ونال منه، واستمع الأولاد لجدال الأبوين، والجدال طريق الخصام، والخصام رسول العداوة والبغضاء. ثم انظر كيف تكون العاقبة.
هذا جانب واحد من جوانب عمل النساء في السياسة، وآفة واحدة من آفات تعصبهن، ودخول التحزب إلى بيوتهن.
نناشدكم الله والوطن أيها الدعاة أن تدعوا لنا المرأة نسكن إليها من ضوضاء العيش، ونفر إليها من خلاف المذاهب، ونستريح عندها من جدال الأحزاب، ونعلم في جوارها الحب والود، والسلام والبر.
نناشدكم ألا تجعلوا من كل أسرة لجنة حزبية، أو لجاناً متعددة لأحزاب مختلفة، وألا تنقلوا الجدال والخصام، والافتراء والبهتان، إلى المعبد الذي نأوي إليه، ونلتمس الدعة والسكينة والألفة والمحبة فيه.
حسبنا - أيها الإخوان - هذا النزاع الدائم، والدويّ المستمر الذي نلقاه في كل طريق، وكل نَديّ، ونقرؤه في كل صحيفة، ونسمعه في كل مذياع. فنحن منه في شغل بالنهار وهمٍّ بالليل.
دعوا المرأة تتزوَّد من العلوم والآداب والأخلاق، وأبعدوها من هذا المعترك لتكون داعية وفاق ورسول مودة، ولتكون - كما خُلِقتْ - مصدر خير وبر، وألفة وحب.
قال الأول - وقد احتدَّ قليلاً -: (إنكم إذاً تحرمونها المشاركة في أمور الأمة، وتحرمون الأمة تدبير المرأة، وهي - كما تعترفون - مصدر خير وبر وألفة ووفاق، فلماذا تحرمون