فأجابه مناظره: (كلا، كلا، بل تشارك خير مشاركة بالتربية والتهذيب، وبالتعليم والإرشاد، وتدّبر أجدى تدبير بالقيام على أخلاق النشء وأفكارهم، وبدعوتهم إلى الحق والخير، وتنشئتهم على العدل والإحسان، وإشراب قلوبهم المودة والمحبة، وتعويدهم العدل والإنصاف.
إنها إذاً تشارك وتدّبر بقلبها الطاهر، وفكرها المبرأ من العصبية، وتهدي الأمة إلى الخير دون تحيز، وترشدها إلى الحق دون تحزب، فتكون داعية ألفة لا فرقة، ومنبع سلام لا خصام. وليس هذا بعيداً من المرأة، إن قبلتم فيها دعوتنا إلى التكريم والتقديس، ورضيتم لها سلطانها في الأسرة، ومكانها من الأمة.
إننا نرضى شركتها في كل أمر ماعدا الخصام والجدال، ونقبل تدبيرها في كل شأن حاشا معارك السياسة ومكايد الأحزاب.
إننا ننزه المرأة - ومكانُها في القلوب مكانُها - أن تباشر الخصام، وتتخلل الزحام، وتسير في مواكب الانتخاب، وضوضاء المظاهرات، وترمي منافسها ويرميها، ويَبهَتها وتبهته.
إنا والله نُشفق عليها أن تسير في المدن والقرى، وتطرق الأبواب ليلاً ونهاراً، وإعلاناً وإسراراً، وتلقي الكريم واللئيم، والحر والنذل، والغليظ والرقيق، مستجدية التأييد، منفقة من الوعود!
ثم ضحك المجادل وقال مازحاً: (ولسنا نعرض لما وراء هذا من الأقاويل حين يقول السفهاء: هذه المرشحة جميلة، وتلك دميمة، وهذه بسَّامة، وتلك متجهمة، وتلك غليظة في القول، وهذه لينة. . . وهلم جرا.
وإنا والله لنرثى لها حين نتمثلها وقد ابتُلِيت بالنيابة فجاءت الوفود تستنجز الوعود، وطرق الناخبون دارها كل حين، يرفعون الشكايات، ويقتضون الحاجات، ويخرجونها من أسرتها طوعاً أو كرهاً، ويشغلونها عن عيالها، شاءت أم أبت!
إنا وايم الحق لنشفق على الرجال ونرثي لهم حين نراهم في معركة الانتخاب وبعدها، وحين نرى تحكم المُبْطِلين فيهم، وتدلل الطامعين عليهم، حتى لنتمنى أحياناً أن يُعفى الرجال من الانتخاب ومطالبه، والتمثيل ومتاعبه. . وكم عرفنا وبلونا وأشفقنا ورثينا!