للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أيضاً. فليس هناك أكثر من أن نتعلم كيف نقرأ قراءة صحيحة دقيقة، ولا نكون كهؤلاء الصحفيين والمصحفين الذين يتندرون بأخبارهم، والذين يحكون عن أحدهم أنه نظر في المصحف قوله تعالى: (إذ يبايعونك تحت الشجرة)، فقرأه: اذئباً يعونك تحت الشجرة. وأمضى ليلة يكد نفسه في التماس التخريجات المختلفة من هنا وهنا تحقيقاً لأستاذيته!

فالأمر في هذا البيت شبيه بالأمر في البيت الأول. تصحيف يسير قريب، ولكنه أدى إلى ذلك الخلط العجيب. فليست كلمة (فهبنه) المؤلفة من فاء عطف لا يدري ماذا تعطفه وماذا تعطف عليه، وفعل لا يعرف من أي أصل هو، ونون نسوة لا موضع لها، وضمير غيبه لا مرجع له. ليست هذه الكلمة أو الجملة إلا تصحيفاً قريباً لكلمة واحدة، هي كلمة (مهينة) من الهوان وبذلك يكون البيت:

ولكن بدهدى بالرجال مهينة ... إلى قدر، ما إن تقيم ولا تسرى

وبدهدى بصيغة المبني للفاعل لا المبني للمفعول، والفاعل هو أبو بكر، وبذلك يستقيم البيت ويطرد المعنى، دون تحد للنحو أو معاندة للصرف أو معارضة للمنطق.

وأما بعد فهذا مثل من فهم الشعر القديم في كتاب (الهجاء والهجاءون)، ولم أقرأ الكتاب جملة بعد، ولكنني أحسست عند هذا الوضع الذي عرضته بالحسرة تلذع قلبي وتفزعني أشد الفزع، أن يكون مثل هذا من صور الدرس الجامعي في هذه السنوات الأخيرة. والمشتكي إلى الله.

(أبو حيان)

<<  <  ج:
ص:  >  >>