البيت وجعلته يتبين فيه سبيله على ذلك الوجه!. وكذلك أحس الأستاذ من أعماق قلبه بالولاء البالغ لهذه المعاجم، فهو مخلص لها، منصرف إليها، مغمض عينيه بين يديها، متفان في الخضوع لما تشير به، وإن لم يتبين وجهه، غير عابئ بما يمكن أن يعارضها فيما يلقفه منها. وكذلك ضرب صفحاً عن قوانين النحو والصرف، وأعرض، ونأى بجانبه عما تحتمه هذه القوانين، إذا كان فيها ما يعترض سبيل الفهم الذي فهمه عن المعاجم، أيا كان هذا الفهم، أو يخالف ما حسب أن المعاجم تدلى إليه به.
وإذن فلا عليه أن تكون هذه الكلمة (هبنه) معدولة عما ينبغي أن تكون عليه، باعتبارها من (أهاب)، ولا عليه أن تكون بدلاً من (أهابوا به) مؤدية ما تؤديه هذه، وأنف القوانين اللغوية الأولية المجمع عليها راغم، ما دام لابد من هذا فيما تأدى إليه. ومنذ الذي أجاز للغة أن تستعصي عليه، أو تنفر من بيد يديه؟! وأي شيء هذه القوانين التي تجعل اللغة شيئاً جامداً متماسكاً لا يساير الأفهام، ولا يطوع لأستاذيته، أو لما تريده منه، وما لا تستطيع أن تفهمه إلا به.
وهكذا يكون معنى البيت، بعد هذا كله:(أن هؤلاء الرجال يزجرون أبا بكر وجيوشه، ويدفعونهم إلى قدرهم وحينهم)، ويا له من معنى!
من هم (هؤلاء الرجال)؟ أهم رجال أبي بكر (يزجرون أبا بكر وجيوشه) أي يزجرون أنفسهم؟ أم هم بنو ذبيان الثائرون على أبي بكر، والذين يفديهم الشاعر برحله وناقته، ثم يجعلهم يتدحرجون كما تتدحرج الحجارة؟ أم ماذا؟ ما أحوج هذا الشرح، بعد كل ما سبق، إلى ما يشرحه، ويزيل ما يبدو صارخاً من تهافته.
لا لا! ما هكذا ينبغي أن يتناول الشعر. وماذا يبقى لـ (بطن الشاعر) إن كان لابد للشعر أن يكون ظاهراً واضحاً مكشوف المعنى مستقيم الوضع؟ وأين إذن فضل الغموض وأثره الوجداني والهزة التي يبعثها في حنايا النفس؟ ولكنها المدرسة القديمة، قاتلها الله! لا تزال تلجأ إلى قواعد النحو والصرف، ثم إلى قوانين المنطق والعرف، دون أن تعني بالمذهب الجديد في الشعر وأساليب قراءته وإدراكه.
وبعد، فما أدري ما القديم والجديد في فهم الشعر وتذوقه ونقده، ولكني أرى الأمر في هذا البيت أيسر من هذا التخبط والتسكع وتحدي قواعد النحو والصرف والعقل والمنطق والفن