سجستان ومدينة ارجان بفارس أول مدينتين اتخذ أهلها في الصيف سراديب تحت الأرض يجري فيها الماء كما نقل ابن حوقل في كتابه صورة الأرض.
قال ياقوت في معجم البلدان إن أرض سجستان كلها رملة سبخة والرياح فيها لا تسكن أبداً ولا تزال شديدة تدير رحيهم وطحنهم كله على تلك الرحى. وفي القرن الخامس الهجري يفكر الرحالة الفارسي ناصر خسرو أن من خصائص مدينة أرجان أن فيها من الأبنية تحت الأرض مثل ما فوقها وإن الماء يجري تحت الأرض وفي السراديب وفي أشهر الصيف يستروح الناس فيها.
ويذكر المقريزي بعد ذلك بقرون (إن من محاسن مصر أن أهلها لا يحتاجون في حر الصيف إلى الدخول في جوف الأرض كما يعانيه أهل بغداد). وأما اليوم فقد ضربت مدينة النجف الأشرف في العراق الرقم القياسي في استعمال السراديب، وذلك لأنها واقعة على أرض مرتفعة في الصحراء قد جذب المسلمين إليها قبر الإمام علي (ع) فازدحم حوله علماء الإسلام فقامت حركة علمية جبارة وقصدها طلاب العلم في أطراف العالم الإسلامي، ففيها الطلبة من أنحاء إيران والعراق ومن لبنان وسورية والحجاز والصين والهند وأفغانستان وسمرقند وبخارى وغير ذلك فهي مقر (الأمم الإسلامية المتحدة) وإن هؤلاء المهاجرين يعانون من قسوة الصيف ولذع هاجرة الصحراء - أعنف التعذيب لو لم يتفنن النجفيون في نحت السراديب تحت الأرض فيحفرون في طبقات الأرض حفراً عميقاً جداً حتى يصلوا إلى طبقة صخرية يسمونها (السن) فيضربونها بالمعاول ضرباً قوياً عنيفاً حتى يثقبوا تحتها ممراً فينتهون إلى طبقة رملية سريعة الإزالة وإن كان في تضاعيفها صخور كبيرة فإذا حفروا تحتها فسحة تسع أهل البيت برفاهية أووا إليها في هاجرة الصيف فإذا البرد الشديد الذي لا يطاق إلا بالتدثر باللحف على حين أن الحرارة الملتهبة على سطح الأرض تشوي الوجوه؛ وبذلك يستغني النجفيون عن الثلاجات ولاسيما إذا وصلوا تلك السراديب بالآبار حيث تجهزهم بالهواء النقي من أعلى. ولعل هذه العادة اقتبست من أواسط آسيا حيث يكثر في النجف المهاجرون في تلك الأنحاء الإسلامية. وتبلغ السراديب أرقى درجات الإتقان في مدارس الفقهاء ولاسيما مدرسة السيد كاظم اليزدي التي من محاسن مرافقها (الزنبور) وهو طريق للهواء يهبط من أعلاه ثم يمر تحت أرض السرداب