وربما دخل الرجل في صنعاء في المخدع على فراشه وأطبق عليه الباب وأسبل السترين والسجف فلا يتغير ضياء البيت لما في الجدران والسقف من الرخام؛ بل إذا كان في السقف رخامة صافية نظر عوم الطائر بظله عليها إذا حاذاها وتؤدي الرخامة لمعان الشمس إلى القصة فتقبلها بجوهرها وبريقها.
ولكن في سامراء من العراق كانوا يستخدمون السراديب تحت الأرض. قال آدم متز: لقد كشفت لنا حفائر سامراء عن طريقة بناء الدور عند أهل العراق في القرن الثالث الهجري حيث كانت تشتمل على سراديب للسكني مهيأة بوسائل التهوية. ولا نجد فيها بين أيدينا من أخبار القرن الرابع في العراق ما يدل على استعمال السراديب للسكني في فصل الصيف ولا تشير إلى ذلك أية حكاية من الحكايات الكثيرة التي ترجع إلى ذلك العصر
وفي كتاب العيون أنه كان السرداب في ذلك العصر عبارة عن مكان تحت الأرض فيحكى مثلا أن الخليفة المقتدر أمر بحفر سرداب لمؤنس وأن مؤنساً وقع فيه ومات، هذا ما نقله ولكن الذي في كتب التاريخ أن مؤنساً هو الذي قتل المقتدر على يد أصحابه.
ويقول عريب وكان عند رجل في داره سرداب تحت الأرض عليه باب من حديد. بل يحكى عن مروج الذهب أنه في عهد المنصور سير جماعة من أبناء علي إلى الكوفة وحبسوا في سرداب تحت الأرض لا يفرقون فيه بين ضياء النهار وسواد الليل. وفي مقاتل الطالبيين عن رجل كان مسجوناً مع يحيى العلوي في عهد الرشيد، وكان الرشيد يعذبه تعذيباً مؤلماً حتى مات من وقع السياط، وكان اسم السجن المطبق وهو تحت الأرض وكان من شدة ظلامة لا يعرفون أوقات الصلاة فيه.
وإذن فالسراديب لم تكن في صدر الدولة الإسلامية متعارفاً استعمالها لاتقاء الحر في بغداد، وإن كانت موجودة في السجون التي يحبس بها العلويون الذين كان بنو العباس يخشون من ثوراتهم قال آدم متز.
ويرجع أصل عادة اتقاء الحر الشديد بالنزول في السراديب إلى بلاد آسيا الوسطى حيث يحكى لنا الرحالة وانج بن تي في عام ٩٨١م أن بعض أهل تلك البلاد يسكنون في الصيف غرفاً تحت الأرض. أما في بلاد الإسلام لذلك العهد فقد كانت مدينة زرنج أكبر مدن