وعندما بحثنا المرحلة الثالثة للدورة الكبرى - مرحلة الهبوط الابتدائي - لم نسر خلف مالتوس لأن توقف الزيادة وهبوطها لم يكونا معروفين في الفروض المالتوسية. فبلدان أوروبا الوسطى والشمالية الغربية كانت أولى المناطق التي دخلت في المرحلة الثالثة، في حين أن فرنسا والسويد وأيسلندا واستراليا وإنكلترا وويلز ستواجه هبوطاً في عدد السكان ابتداء من سنة ١٩٧٠. أما أيرلندا فقد استعادت كما رأينا قواها ولكنها لم تحقق أية زيادة. ويمكن إضافة ألمانيا إلى هذه المجموعة بسبب خسائرها في الحرب. كما تعاني بولندا نقصاً في السكان لم تعانه أية أمة أخرى في العصور الحديثة. إلا أن طبيعة تكوين شعبها تساعد على العلاج إذا ما توفرت الظروف الاقتصادية الملائمة. ويقول علماء الإحصاء إن شعوب أوروبا الوسطى وأوروبا الشمالية الغربية قد بلغت مرحلة النضج، وقد أدى تحديد النسل بينها إلى إنقاص نسبة الشباب بينما رفع تقدم مستوى المعيشة من نسبه ذوي الأعمار الطويلة. وما دامت أعمار أغلبية النساء في هذه المنطقة قد تجاوزت معدل الخمسين فإن ذلك سيجر وراءه زيادة في طول الأعمار يؤدي إلى توسع إنتاجي إضافي. ففي الولايات المتحدة واستراليا وزيلندا الجديدة من الممكن أن تعيش المرأة البيضاء إلى سن السابعة والستين، كما أنه من الممكن أن تستطيع المدنية الأوربية أن تزيد معدل الحياة عشر سنوات أخرى خلال العقدين القادمين
وقد كان متوقعاً من دراسة معدلات ١٩٣٥ - ١٩٣٩ أن يبلغ نمو سكان أميركا نهايته حوالي ١٩٨٠. إلا أن الولايات المتحدة قد خرجت من الحرب العالمية الثانية بأرباح غير متوقعة في النفوس، لقد فاقت الولادات مقدار عدد الضحايا بين الشعب الأميركي الذي لم يدخل بعدُ مرحلة الهبوط الابتدائي.
وعند هذه المرحلة من مراحل دراستنا سندخل منطقة يميل عند بلوغها علماء الإحصاء في العصر الحديث إلى وضع إرشادات تجريبية فقط بشأنها. إن معرفة ما يمكن أن يحدث وماذا يستحب أن يحدث، إذا ما سارت القوى الطبيعية في مجراها الطبيعي، تدفع الأفراد لأن يستعملوا عقولهم وإرادتهم للوصول إلى نتائج أكثر تكيفاً مع حاجاتهم ورغباتهم. وهناك بعض الباحثين لا ينظرون إلى ظاهرة النقص في السكان نظرة جدية، في حين أن هذه الظاهرة قد بنيت على أسس الاتجاهات التي توجه الوقائع والقوانين. ولكن يتساءل اليوم