حوض مصر، وحملوا ذمارها. ولقد كانوا يفاخرون بمصريتهم ويعتزون بها، ويسمون أنفسهم منتسبين إليها، فكانوا يعرفون أنفسهم باسم (الأمراء المصريون) وما أجدرنا نحن اليوم أن نسميهم بذلك الاسم ونتجنب تلك منذ أيام إبراهيم ورضوان، ومن جاء بعدهما مثل علي بك الكبير ومحمد بك أبى الذهب. وشهد أهل مصر في أيام هذين الحاكمين الضعيفين تغيرا في نظام الحكم ونمط السياسة، وأخذت شوكة الدولة تتجه نحو جوانب الناس تخزهم وتؤذيهم وتفسد عليهم أحوال حياتهم، وما كان عهدهم بشوكة الدولة أن تكون أداة أذى لهم. فان الأمراء المصريين كانوا منذ القدم إذا تشاحنوا كان تشاحنهم فيما بينهم، وإذا اعتدى بعضهم فإنما كان يعتدي على بعض، وإذا غصبوا مالا أو سفكوا دما فإنما كان الحزب الغالب منهم يغصب مال الحزب المغلوب، ويسفك المنتصرون منهم دماء اتباع الحزب المخذول. وقديما تشاحن الأحزاب على الحكم وتنافسوا على السلطة، وما كان بأهل مصر باس من ذلك، إذ كانوا في كل هذه الحركات بمعزل عن الأذى. دماؤهم محفوظة، وأموالهم محرمة، وأعراضهم مقدسة؛ وأما منذ تولى أمر الحكم إبراهيم ومراد، فقد تغيرت الحال، وخرقت الحدود، وإذا بجنود الدولة تعسف بالناس، وتنتهك حرماتهم، فلم يرضهم ذلك، بل احتجوا وشكوا، ثم تحركوا واضطربوا، وكان اضطرابهم ذلك، قبل أن يتحرك شعب فرنسا في ثورته الكبرى بنحو أربع سنوات.
قال صاحب (عجائب الآثار) في حوادث سنة مائتين وألف للهجرة: أي في سنة ألف وسبع مائة وخمسة التسمية الجائرة التي رددها من قبل أعداء مصر ظلماً منهم وعدوانا. فقد ألصقت بهم هذه التسمية منذ أطلقها عليهم فرنجة الحملة الفرنسية الذين جاءوا إلى مصر لينزعوها من أيديهم ويحلوا محلهم في حكم البلاد، فكانوا يحاولون في كل مناسبة أن يشهروا بهم ويحملوا عليهم، بغية أن يفسدوا عليهم قلوب أهل مصر. ولهذا حبب إليهم أن يسموهم باسم (المماليك) وان ينعتوهم بأشنع النعوت، ويتهموه بأبشع التهم.
أما نحن فما أحرانا أن ننظر لأنفسنا بأعين مجردة عن الهوى، وان ننظر إلى صفحة تاريخهم بغير حقد ولا كراهة، فما كانوا بأهل لذلك، وما كان حكمهم إلا كسائر حكم الدول التي تعاقبت على مصر في مختلف العصور. فلقد تعاقب في عهدهم حكم العدل والظلم، وأختلف في زمانهم زهو النصر، وذلة القهر - وأي عصر في التاريخ قد خلا من مثل هذا