للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التقلب والاختلاف؟ وكان شعب مصر في مدتهم يزن الدولة، فيرى ما فيها من حسنة وسيئة، فإذا رأى الحسنة غالبة، غفره السيئة في سبيلها، وهو في ذلك مثل سائر الشعوب المتمدينة المستقرة، لا تستخفهالحوادث إلى العنف ضناً بالسلام والطمأنينة،

غير أن ذلك الشعب الوديع كان يرى أحيانا من الحكام من لا يستحق عطفه ولا إجلاله، فكان عند ذلك يرفض الاعتداء بإباء العازم على عدم الاستكانة. وما اكثر الآيات الدالة على هذا لمن أراد النظر لنفسه، ومن لم يتلق وحيه عن أساطير الكارهين الكاشحين.

ولي أمر الحكم في مصر في أواخر القرن الثامن عشر أميران من اضعف من ولي أمر الحكم فيها، وهما مراد وابراهيم. فكان حكمهما في مصر أشبه شئ بالمرض يعتري جسم الشاب الناشئ؛ وتهدم في أيامهما ما بناه أكابر الأمراء السالفين قبلهم وثمانين للميلاد ما يأتي:

(وفي صبيحة (يوم الجمعة) ثارت جماعة من أهالي الحسينية بسبب ما حصل في أمسه من حسين بك (تابع مراد بك) وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول. والتف عليهم جماعة من أوباش العامة والجعيدية، وبأيديهم نبابيت ومساوق، وذهبوا إلى الشيخ الدردير، فونسهم وساعدهم بالكلام وقال لهم: أنا معكم، فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه، وصعد منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول، وانتشروا بالأسواق في حالة منكرة، وأغلقوا الحوانيت، وقال لهم الشيخ الدردير: (في غد نجمع أهالي الأطراف والحاران وبولاق مصر القديمة، واركب معهم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم) فلما كان بعد المغرب حضر سليم اغا مستحفظان، ومحمد كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا إبراهيم بك وجلسوا في الغورية، ثم ذهبوا إلى الشيخ الدردير وتكلموا معه، وخافوا من تضاعف الحالة، وقالوا للشيخ: (أ. كتب لنا قائمة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون) واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا، وركب الشيخ في صبحها إلى إبراهيمبك أرسل إلى حسين بك فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك. .) ولم يقف الأمر عند حدود القاهرة، بل اشترك أهل الأقاليم في ذلك، فلم تمض السنة نفسها حتى تحركت مدينة طنطا في أيام مولد وليها المشهور السيد البدوي، وكان الشيخ الدردير على راس الحركة هذه المرة أيضاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>