(فذهبوا (أي أهل طنطا) إلى الشيخ الدردير، وكان هناك بقصد الزيارة، وشكوا إليه ما حل بهم، فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب إلى (الكاشف الظالم) فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف، فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من العامة، فلما وصل إلى خيمة كتخدا الكاشف دعاه فحضر إليه والشيخ راكب على بغلته، فكلمه ووبخه وقال له:(انتم ما تخافون من الله) ففي أثناء كلام الشيخ لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل من عامة الناس وضربه بنبوت، فلما عاين خدامه ضرب سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم وعصيهم، وقبضوا على السيد احمد الضاني تابع الشيخ وضربوه عدة نبابيت، وهاجت الناس على بعضهم، ووقع النهب في الخيم وفي البلد، فنهبت عدة دكاكين، وأسرع الشيخ بالرجوع إلى محله. . . ثم حضر كاشف المنوفية وهو من جماعة إبراهيم بك الكبير وحضر إلى كاشف الغربية وأخذوا وحضر به إلى الشيخ، واخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالأمان. . . ولما رجع الشيخ الدردير إلى منزله حضر إليه إبراهيم بك الوالي واخذ بخاطره أيضاً، وكذلك إبراهيم بك الكبير، وكتخدا الجاويشية.)
غير أن الحوادث السياسية التي وقعت في ذلك الوقت حالت دون استمرار سعى أهل مصر نحو إصلاح نظام الحكم بأنفسهم، وذلك أن السلطان أرسل عند ذلك جيشاً لمعاقبة المفسدين في زعمه. فانخدع أهل مصر وتركوا ما كانوا فيه من مسعى ظناً منهم أن السلطان كفيل لهم بإزالة المظالم وإصلاح الأمور. وبقى جيش السلطان في مصر قليلاً، ثم دعته الدواعي إلى مغادرة البلاد فعاد الأمر إلى ما كان عليه من عبث مراد واتباعه، وعاد الناس يفكرون في الدفاع عن أنفسهم والتحرك لإزالة العسف، وأضحت مصر والجو فيها مكفهر، والقلوب غير مستقرة، والشعب متحفز، وأهل الدولة في وجل وترقب.
قال صاحب (عجائب الآثار) في وصف هذه الأيام:
(وركب إبراهيم بك الكبير في ذلك اليوم وذهب إلى الشيخ البكري وعيد عليه، ثم إلى الشيخ العروسي، والشيخ الدردير، وصار يحكي لهم، وتصاغر في نفسه جداً، وأوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن أمر يحدثونه أو قومة أو حركة في مثل هذا الوقت، فانه كان يخاف جداً.)