كان يشغل وظيفة أركان حرب محمود شوكت باشا قائد الجيش التركي الذي زحف على استنبول وأجبر السلطان عبد الحميد على منح الدستور لرعاياه. وكان شوكت باشا في ذلك العهد آلة بيد جماعة الاتحاديين في سلانيك تلك المدينة التي كانت مركز الثورة والتي تمخضت عن فكرة الانقلاب والاستيلاء على الحكم، والتي اشتهر أهلها المسلمون بنزعاتهم الوطنية في تاريخ الانقلاب التركي. وقد نشأ مصطفى كمال بتلك المدينة وتشبع فيها بأفكار جماعة الأحرار، وسرعان ما صار أحد خطبائهم العاملين على نشر الأفكار الثورية الحديثة بين الضباط في الجيش
والذي يفسر لنا اختيار شوكت باشا إياه ليكون رئيساً لأركان حربه رغم حداثة سنه هو أن شوكت لم يكن عضواً بأحد الألواج المركزية لجماعة الثورة فاختار مصطفى كمال ليجتذب إليه ثقة أصحاب النفوذ في الحركة ويفهمهم باختيار أحد المتحمسين لهم أنه مُسلِّم بأفكارهم متبع لخطتهم.
وقد تمكن مصطفى كمال بعد أثنى عشر عاماً مضت على هذه الحوادث أن يصير رئيساً مطاعاً في أمته ذا كلمة نافذة على الجيش ورؤسائه - ثم انتهى بعد ثلاث سنوات إلى تقلد رئاسة الجمهورية التركية - ويعد هذا نجاحاً عظيماً لأي شخصية ولو كانت وليدة عصر مملوء بالانقلابات والثورة.
أنني مع ثقتي التامة بالنواحي الظاهرة مع شخصية مصطفى كمال مثل همته المقرئة بالإقدام وشجاعته المقترنة بالتحوط والانتباه أرى عدم إغفال الإشارة إلى العامل الأساسي الأول الذي دفع به إلى قمة النجاح، وهو عمل السياسة الإنجليزية في تركيا بعد الحرب؛ لأن مصطفى كمال وأنصاره ما كأنة بوسعهم أن يفكروا أو يصلوا إلى عزل السلطان وحيد الدين أو الذهاب إلى أنقرة والعمل على تحطيم معاهدة سيفر المشؤومة - بغير حدوث الأغلاط التي ارتكبتها السياسة الإنجليزية في بلادهم.
وأنه لجدير بمصطفى كمال أن يتخذ دوننج استرليت حيث كان يقطن لويد جورج كعبة ينحني أمامها لأنها كانت سبب صعود نجمه السياسي.
وفعلاً قد اعترف بذلك رجال إنجلترا الرسميون؛ ولا أريد بذلك لويد جورج الذي لا يكتب ولا يبوح - وإنما أقصد ونستون تشرتشل الذي اعترف بهذا في كتابه عن مفاوضات