الأخوة ونزوات الشباب، فكنت أقضي إلى جانبه ساعات الفراغ ننشق معاً أريج الحياة وهي تتفتح لنا رويداًرويداً، ونبسم للصبا وهو يرف علينا رفيفاً حلواً، ونستمتع بالعافية وهي تنشر علينا جناحاً رفيقاً، ونسعد بالهدوء وهو غاية قصدنا. لا يبهرنا زيف المدينة وهو فوق طاقنا، ولا يسحرنا بهرج الحياة وإنا لنحس ضيق اليد، ولا نندفع إلى شهوة وإنا لنشعر بالحياء والخجل. وغبرنا زماناً نجد اللذة والسعادة في حيات الهدوء والاستقامة. ثم جاءت الحرب فصفعت الموظف صفعة قوية طار لهالبه وزلزلزت كيانه وشغلته شدة الحياة عن نفسه وأن لي أخوة صغاراً أحمل ثقلهم فأكاد أنوء به في الرخاء فما بالي وقد ضربني الغلاء وعركتني الفاقة، فعشت دهراً لا ألقي صديقي إلا في الديوان ولا أجلس إليه إلا في المكتب، وصمت هو فلا يحدثني بأمر ولا يكشف لي عن حادثه. ثم جاء ذات صباح ثائراً ضيق النفس مضطرب الخاطر. وأرادني على أن أجلس إليه في خلوة ليقص لي قصة أخته، وهي فتاة في العشرين من سني حياتها تتنزى شباباً وتتوثب جمالاً، وأن دلالها ليعصف باللب ويخلب الفؤاد، وأنها لتتأرج بهاءً وإشراقاً، تشع من عينيها معاني الأنوثة والجاذبية وتنفث ابتسامتها في القلب هزات الكهرباء. . .
آه، يا صاحبي، لقد كنت أخشى نظراتها الجذابة وأغضى عن بسماتها العاصفة وأغمض عن أنوثتها العنيفة خيفة أن ينفرط فؤادي أو أن ينقد قلبي على حين أن نفسي كانت تنازعني إليها، ولكني لا أستطيع أن أنفض على عيني أخيها خلجات قلبي، فما كمان لي أن اصبح زوجاً وبين يدي أخوة أخاف أن يستشعروا - بفقدي - اليتم والضياع. فكنت أنصرف من لدن زميلي وقد شاع الأسى في أوصالي وأفعمني الحزن وسيطر علي الضجر، ولكن لا سبيل. . وعاشت الفتاة إلى جانب أخيها الموظف عيش الكفاف والشرف، ثم أقبلت الحرب والغلاء معاً فأحست بأنوثتها وهي تتكامل رويداً رويداً ولكن الضيق يوشك أن يعصف بها، وشعرت بجمالها الوضاء يشرق حيناً بعد حين غير أن الفاقة تحاول أن تستله منها، وعز عليها أن تنطفئ فيها شعلة الشباب والدلال من أثر الحاجة والفقر فراحت تتوسل إلى غايتها بأساليب شيطانية منحطة، فتعرفت على فتى ثري من أبناء الذوات. وأبناء الذوات فئة من الناس أتلفهم الثراء وأبلاهم التعطل فغدو زبداً لا ينفع الناس وعاشوا عيالأ على الجماعة، لا يقيمونة وزناً لمقاييس الأخلاق السيامية من خور التربية،