وإلى معرفة بالتاريخ السياسي والاجتماعي، وإلى بصيرة نافذة؛ فليس يكفي أن يكون مشروطاً أن يكون لطالب هذا الكرسي أبحاث قيمةلأنالأمر أكبر من ذلك، والموضوع أوسع و؟ أعمق، وأحوج إلى العلم الشامل المنوع. . . وأخشى ألا تكون العجلة في هذا الأمر إلا من الشيطان، فالتريث أحجى وأرشد، ولن تعاب الجامعة إذا هي تأنت، ودققت، إيثاراً لحمل الأمانة العلمية كما ينبغي أن تحمل. ولكنها تعاب ولاشك إذا هي اكتفت (بملء الخانات كيفما اتفق، أي إذا قدمت المظهر على المخبر والصورة على الحقيقة)!
من هذه الكلمات تخرج بأن المازني لم يكن غالباً في شعوره بأهمية الموضوع الذي تعرض له بالبحث والمناقشة، ولا بضخامة العبء الذي يجب أن يقوم به من هو أهل للقيام به، ولا بقصور النظرة الجامعية إلى مقومات الأستاذية الكاملة التي تنهض بواجبها العلمي عن جدارة واستحقاق. . . ولكن المازني - غفر الله له - شاء أن يدرس بين زهوره الفكرية أشواكا تبخر معها الشذى المعطر والعبير الفواح، وبقيت منها وخزات تجرح الذوق والفن والشعور! يقول المازني عن شوقي في ثنايا كلمته:(وقد سرني أن كلية الآداب أنشأت هذا الكرسي وسدت به نقصاً ملحوظاً في دراستها. . . ومع احتفاظي برأيي القديم في شعر شوقي أقول إنه قد سرني أن يطلق اسمه على هذا الكرسي)!!
ترى ألا يزال المازني بينه وبين الناس؟ أخشى أن يكون الفرض الأخير هو الأصح، لأنني أعلم أن هناك أدباء يشعرون بالحرج إذا ما واجهوا الرأي العام الفني يتغير آرائهم بين الأمس واليوم. . . إننا نعلم أن رأي المازني في شعر شوقي يرجع إلى أيام الشباب وحماسة الشباب واندفاع الشباب، ولكن للشباب نظرة التي قد يهذب من جموحها مضى الزمن، وذوقه الذي قد يحد من انحرافه تقدم السن، وحكمه الذي قد يعدل من مقاييسه اكتمال الثقافة واتساع الأفق٠ لهذا كله أخشى أن يكون المازني قد نبذ بينه وبين نفسه رأيه القديم في شعر شوقي واحتفظ به بينه وبين الناس، خشية الحرج من أن يتهم بتقلب الرأي بين اليوم والأمس وترجحه بين اليمين والشمال!. . . إننا نعرض لهذا الآمر على أنه فرض يحتمل أن يكون هو الواقع أولا يكون، فإذا كأن فيما أحوجنا إلى شيء من الشجاعة يردنا إلى الحق ويرد الحق إلى نصابه فأن ذلك أدعى إلى التقدير لا إلى الحرج والتشهير. أنني لم أقدر الدكتور طه حسين يوماً كما قدرته وهو يذيع على الملأ منذ قريب استنكاره لرأيه