للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القديم في أدب المنفلوطي. . . بل لقد زاد تقديري له وهو يعلن في صدق نادر وصراحة محببة أنه يشعر بالخجل كلما تذكر أيام الشباب وما جنت حماستها على القيم الأدبية ومنها آثار المنفلوطي، حتى لقد نعت نقده لتلك الآثار بأنه لم يكن إلا لوناً من ألوان السخف!

هذا مثل طيب يجب أن يحتذيه المازني وغير المازني من شيوخ الأدب إذا ما خطر لهم أن يرجعوا إلى آرائهم القديمة في صدر الشباب لينفضوا عنها غبار التجني الذي أثاره الهوى والغرض إذا ما كانت هناك أهواء وأعراض. . . ونستطيع بعد هذا كله أن نلغي هذا الفرض وما حمله بين طياته من مقدمات ونتائج، لنقول أن المازني بينه وبين نفسه كان وما يزال محتفظاً برأيه القديم في شعر شوقي، إذا عبر هذا الفرض الآخر عن الواقع فليس من شك في أنه سيعبر عن واقع آخر، وهو أن موازين النقد الأدبي ستحتفظ برأيها الصريح في ذوق المازني!؟. . .

جولة فكرية في ربوع الريف:

لم أستطيع في الأسبوع الماضي أن أكتب (التعقيبات) لأنني غادرت القاهرة إلى الريف على غير انتظار. . . وفي غمرة الحزن على فقد قريب تلقيت نعيه المفاجئ، راعني ما رأيت على طول الطريق من شتى المشاهد والصور والوجوه، حتى خيل إليَّ أنني منذ عشرين عاماً لم أر كل هذا الذي بدا لعينيَّ غريباً، مع أنني لم أتغيب عن الريف إلا عاماً وبعض عام!

وقلت لنفسي وأنا أنقل الطرف بين الوجوه الصفر والحقول الخضر: أين أنا اليوم مما كنت فيه بالأمس؟ أين المدينة الصاخبة الضاحكة الجياشة بالحياة، من هذا الريف الهادئ العابس الذي يطالعك منه ألف معنى من معاني الهمود والجمود والموت؟! ألا ما أبعد الفارق بين أرض وأرض وبين أحياء وأحياء. . . هذه الأجسام الذابلة ما أحوجها إلى تدفق العافية، وهذه العقول المظلمة ما أحوجها إلى نور المعرفة، وهذه القرى المهملة ما أحوجها إلى شيء من الاهتمام والرعاية! ومع ذلك فأنت هنا تلمس حلاوة الرضا حين تلمح مرارة التذمر هناك؛ ذلك لأن نفس الريفي قد طبعت على القناعة، وفطرت على الصبر وجبلت على الإيمأن. . . وتلك أمور تنثر في تربت النفوس بذور الصفاء الروحي الذي يرفع الملتصقين بالأرض إلى آفاق السماء!

<<  <  ج:
ص:  >  >>