إن أجمل ما في القناعة أنها تظهر لك القليل على قلته وهو أكثر من الكثير، وأن أروع ما في الصبر أنه يفلسف لك أعباء الحياة فلسفة تنقلك من عالم المادة إلى عالم الروح. . . أما الأمان فهو قائم من وراء هذا كله ليرد الأمور إلى أسبابها من حكمة القدر ومشيئته فلا اعتراض للناس!
من هنا أعرض المسئولون عن إصلاح الريف، لأنهم لا يستجيبون في الكثير الغالب إلا للأصوات الساخطة المتذمرة تحمل إليهم العجيج والضجيج؛ تحملهما من قلم كاتب، أو من حنجرة نائب، أو من وساطة يتقدم بها صاحب جاه وسلطان!
ومن العجيب أنك تجد أكثر الكتاب والنواب وأصحاب الجاه قد نشاءوا في ربوع الريف، واستروحوا طيب أنسامه، وترعرعوا بين أحضانه، ومع ذلك فلا يرتفع لهم صوت إلا للمدينة على حساب القرية، وللمتعلم على حساب الجاهل، وللطائفة على حساب الفلاح، وللمصلحة الفردية على حساب المصلحة العامة!
ذلك لأن الكاتب إذا ذهب إلى الريف فإنما يذهب إليه طلباً للهدوء والترويح عن النفس، وأما النائب فليجدد للناخبين عهوده الكاذبة ووعوده الباطلة، وأما صاحب الجاه والسلطان فليشرف على استغلال الأرضليستكرش بطنه وتمتلئ خزائنه!
صدقني إذا قلت إن ريفنا المصري مصنع نادر للبطولة. . . البطولة الكريمة على الضيم، الصابرة على الشدائد، العامرة بأعمق مشاعر التضحية. كل من فيه أبطال، وأروع ما يروعك من هؤلاء الأبطال. . . أنهم شهداء!
كلمات عن فقيد الفن نجيب الريحاني:
كتب إلى أكثر من قارئ، وقال لي أكثر من صديق: لماذا لم تكتب عن نجيب الريحاني؟. . . إن الذي مات فنان، فكيف لم يحرك فقده في نفسك كوامن الشجن، وكيف لم يستجب قلمك للفجيعة كما استجابت بقية الأقلام؟ ورجعت إلى شعوري أسأله: أمن الممكن أن يهزني نجيب الريحاني أعنف الهز في حياته، ثم لا يهزني أعنف الهز في مماته؟ وسمعت جواب الشعور منبعثاً من الأعماق: محال!
ومع ذلك فلن أكتب اليوم عن نجيب الريحاني. . . لن أكتب عن الفنان الإنسان الذي كان أسطورة أبدع فكرتها خيال الفنان الإله. . . لن أكتب عن اللحن الخالد الذي وقعته على