ورنا الطفل إلى والديه وقد غمرته البهجة والإعجاب بتلك الغابة الشاسعة. وبدا له كأنما أشرقت السعادة على محياهما، فترك الطريق، واخترق الحقل، يعدو ويطفر وكأنه المهر.
كانت جموع من اليعاسيب تطن بأجنحتها الشفافة الأرجوانية وتترقب تحليق نحلة سوداء منفردة أو فراشة تبحث عن رحيق شذى من أعماق الزهور. وتبعها الطفل بناظريه، وحاول أن يمسك أحدها وقد طوى جناحيه. ولكن سرعان ما فردهما وحام في الهواء. وقامت نحلة سوداء جريئة باستهوائه بطنينها حول أذنيه حتى تتجنب القبض عليها، أن تستقر على شفتيه لولا أن نبهته والدته قائلة (هلم يا بني، هلم، تعال إلى الطريق).
وقصد إلى والديه مبتهجاً، وسار معهما جنباً إلى جنب. ثم إذا به يتركهما وقد جذبته رؤية الحشرات والديدان تسعى على طول الطريق، وقد خرجت من مخابئها لتتمتع بأشعة الشمس.
وناداه والداه وقد جلسا على حافة بئر، يتفيآن ظل دغل، فجرى صوبهما، كانت شجرة التين قد بسطت أذرعتها القوية على الأهليج المزدهر وغيره من النباتات، وألقت بظلها على أحواض الزهور الذهبية والقرمزية، وكأنها جدة بسطت ذيلها على أحفادها الصغار. وقامت البراعم بعبادة الشمس وقد كشفت قليلاً عن أوراقها في حياء. واختلط العبيق الشذي بحبوب لقاحها بالنسيم العليل يهب بين الفينة والفينة.
وتساقط فيض من الزهور الصغيرة على الطفل عندما أتى الدغل، فنسي والديه وأخذ يجمع بين يديه أوراقها المنهملة كالمطر. ولكن. . ما هذا!؟ لقد سمع هديل الحمام، فأسرع إلى الخطى صوب والديه هاتفاً (الحمامة! الحمامة!) وسقطت أوراق الزهور العديدة من يديه المتخاذلتين، وبدا على وجه والديه نظرات الاستغراب والفضول وهتفا يناديان الطفل (تعال يا بني، تعال).
كان الصبي قد ذهب يعدو في طفرات جنونية حول الشجرة فانضموا إليه، ثم سلكوا الطريق الضيق المنحني الذي يؤدي إلى السوق. واستطاع الطفل عند وصوله أن يشاهد العديد من الطرق تعج بالناس القادمين إليه.
ونادى بائع على ما يعرضه من الحلوى، وهو قابع في ركن من أركان السوق، واحتشد