الناس حوله وقد قامت تحت أقدامه أكوام منتظمة من الحلوى الملونة المزكرشة بأوراق مذهبة ومفضضة وحدق الطفل فيها وقد اتسعت عيناه وسال لعابه من رؤيته حلواه المفضلة (البوفي)، وتمتم في بطأ قائلاً (أريد البوفي). ولكنه كان يدري أن هذا الطلب لن يلقى أذناً صاغية، فقد يقول عنه والده أنه شره ولذلك أبتعد دون أن ينتظر أية إجابة.
ونادى بائع الزهر على باقته المختلفة، وبدا الطفل كأنه جذب بالشذى الدائم الذي أتى إليه سابحاً على أجنحة النسيم الواهن. فذهب صوب السلة حيث ترقد باقات الزهور وتمتم قائلاً:(أريد تلك الباقة). ولكنه كان يعرف جيداً أن والديه سيرفضان شراءها، فقد يقولون أنها زهور تافهة، ولذلك تحرك مبتعداً قبل أن ينتظر أجابتهما.
وأمسك رجل بعمود خشبي تدلت منه بالونات تتطايح بألوانها المتعددة، فمنها الأصفر والأحمر والأرجواني، ودهش الطفل من جمال ألوانها وكأنها قوس قرح. وغمرته رغبة جارفة في امتلاكها جميعاً. ولكنه كان يدرك تماماً أن والديه لن يبتاعاها له، فسيقولان أنه أكبر من أن يلعب بمثل هذه الألعاب، ولذلك سار مبتعداً عنها.
ووقف مشعوذ يصفر بمزماره لأفعى تتلوى في سلة، وقد أرتفع رأسها في انحناءة لطيفة وكأنها عنق إوزة. وانسابت الموسيقى إلى أذنيه الخفيفتين وكأنها خرير مسقط ماء صغير. وكاد الصبي أن يتجه إلى والديه لولا أنه كأن واثقاً أن والديه سيمنعانه عن سماع مثل هذه الموسيقى الفظة، فتابع سيره مبتعداً.
وكانت هناك عجلة دائرة في أبان حركتها محملة بالرجال والنساء والأطفال وهي تتحرك بهم حركة سريعة. وشاهدهم يتصايحون في ضحكات جزلة، وراقبهم يدورون ويدورون وقد علت شفتيه ابتسامة حياء زاهية. وعينيه تتماوجان مع حركة العجلة، وفغر فاه دهشته وقد بدأت العجلة تهدئ من سرعتها تدريجياً. ووقف الطفل مذهولا وإصبعه في فمه يشاهدها وهي تقف. وفي هذه المرة - وقبل أن ينطفئ شوقه الشديد بذلك الإصرار الأبدي على رفض كل طلب له - قال في جرأة (أريد أن أركب العجلة الدائرة، أرجو يا أبتي، وأنت ياأماه) فلم يسمع أي جواب وتلفت ينظر إلى والديه فلم يجد لهما أثراً.
وانفلتت من حنجرته الجافة صيحة مدوية عميقة، وفجأة أندفع يجري وهو يصيح في رعب (أبي، أمي) وانهملت الدموع من عينيه، غزيرة جارفة. واختلج وجهه الممتقع خوفاً، وعدا