إذا أضاء الإيمان بالله في سرائر الإنسان، وعمل في نفسه فجمعها ورفعها ووصلها بالحق والخير، وعظمها وقواها، وأحكم قواها، ووحدها وملأها سلاماً ووئاماً، وحباً للحق والخير والجمال، ثم أطلقها من قيودها، وأخرجها من حدودها، عملت جاهدة مصلحة راضية صابرة، وأدركت اللذات الروحية وأنست بها، وسكنت اليها، وكلفت بالسلام والوئام، وبكل ائتلاف واتفاق، ونفرت من كل اضطراب واختلاف، وتفرق وتنافر.
وقد جاء في بعض الآثار أن يتشبه المخلوق بخالقه، أو يتخلق العبد بأخلاق ربه. فهذا هو التشبه والتخلق. يسير الإنسان من الخاص إلى العام، ومن المقيد إلى المطلق، ومن المتغير إلى الثابت، ومن الجزئيات إلى الكليات، ومن الأحداث الفانية إلى الباقيات الصالحات، حتى يكون كأنه سنة من سنن الله في خلقه، وشريعة من شرائعه في عباده. وإذا نزعاته وشهواته مهجورة إلى الخير العام. بل نزعاته وشهواته في الخير العام، ولذته وطمأنينته في صلاح الناس كلهم، وانتظام العالم جميعه.
وإن لم يكن هذا هو الفناء في الله كما قال الصوفية فليس بعيداً منه، وإن لم يكن هو البقاء بعد الفناء في طريقتهم فليس نائياً عنه.