لقد كان راتبك يربو على حاجات عيشك، ومتعة نفسك، ولذة قلبك. ولكن الخمر قد سيطرت عليك فسلبتك مالك، واستنفدت وفرك، فقنعت بالعيش الخشن، واللباس الوضيع، والحياة المضطربة، ثم شعرت بضيق ذات اليد، فتعرفت على (فلان بك)، وهو فتى في مثل سنك من أبناء الذوات، يغمره الثراء ويفهق جيبه المال، ولصقت به في غدوه ورواحه، تشاركه عبثه ولهوه، وتشاطره هزله وجده، وراقه حديثك وطرب له، فصاحبك وسكن إليك. ووجدت أنت في ماله دريئة تقيك ثمن الخمر وهو باهظ، وتزيح عنك تكاليف اللهو وهي ثقيلة، ثم انحطت همتك، وسفلت رجولتك، ففتحت له بابك، وأفسحت له مكاناً بين زوجك وأولادك ليقضي هناك لياليه في عبث ومجون وقد لعبت الخمر بعقله وهتكت عنه أستار الخجل وسلبته نعمة الحياء. ثم مرت أيام وإذا رفيقك - سعادة البك - يحس بثقلك ويضيق بشهواتك ويضن عليك بماله، ثم راح يدفعك عنه - بادئ ذي بدء - في رفق ولين، ويفر من صحبتك في لباقة وذوق. ثم ضاق بك مرة أخرى فانطوى عنك وأنت تطلبه وينفر منك وأنت تتلمسه، ثم طار عنك فما عدت تراه ولا تسعد بماله.
ونظرت حواليك فإذا سعادة البك قد ضربك بالقلى والهجران وصفعك بالاحتقار والازدراء، وإذا راتبك لا يكفيك إلا أياماً. لقد خذلك رفيق اللهو وان الذكاء ليتألق في ناظريك، وإن الحيلة لتضطرب في خيالك، وأنت موظف كبير في مصلحة الضرائب. وركبك شيطان الخمر وشيطان الحاجة معاً حين عز عليك ألا تجد ما تنفقه في ملذاتك التافهة، وألا تجد ما تسد به طلبات زوجك وأولادك، وخشيت أن تنهار حياتك في المنزل وأن تبدو على أولادك سمات الذلة والمسكنة، فانطلقت تريد أن تتلمس فرجة تنفذ منها إلى رغبات نفسك ورغبات الأسرة.
وخلوت إلى نفسك تحدثها حديث شهواتك والشيطان من ورائك يوسوس لك ويزين الشر في عينيك، ورأيت في مصلحة الضرائب فجوات يستطيع المرء أن ينفذ منها إلى المال في غير مشقة وأن يبلغ الثراء من خلالها في غير جهد، ولكنك نسيت أنها فجوات لا يسترها إلا الرياء والمداهنة، ولا يداريها إلا المكر والخداع، ونسيت أيضاً أنك إن واريت الجيفة التراب لم تستطع أن تكتم رائحتها النتنة أن تفوح فتملأ الخياشيم فتتقزز لها النفس ثم غدوت تجمع حواليك أصحاب رءوس الأموال من التجار والصناع تناقشهم في يسر