وتخضع لهم بالقول وتتبسط معهم في الحديث حتى أنسوا إليك. لقد كان الواحد منهم - من قبل - يخشى وطأة قلمك ويرتعد لحدة ذكائك ويشفق من سلاطة لسانك ويفزع من جفوة حديثك. أما الآن فقد أنفتح الباب ولان الحاجب و. . .
وهمست الألسن بكلمات، وطارت شائعة بين موظفي مأمورية الضرائب انك - لأمر ما - نزلت عن جفوتك ونأيت عن غلظتك وجمعت كبار التجار والصناع في مكتبك تحبوهم بعطفك وتسبغ عليهم من رقتك وظرفك.
وجاءك - ذات مرة - تاجر أجنبي من كبار التجار يساومك لترفع عن ظهره الرقيق سوط المصلحة وهو جاف غليظ ويوحي إليك أنه يريد أن يدفع ثمن رأيك وجاهك، فوعدته. . . وجلس التاجر أمامك في صمت وأمل ليرى ما عساه أن يكون. وأمرت أنت فجاءك موظف شاب سمهري القوام مرفوع الرأس علامة الكبرياء، ثابت الخطوة علامة الثقة بالنفس، تتأجج في عينيه نار الذكاء وتبدو على قسمات وجهه علامات الفطنة وتتوثب حركاته نشاطاً وحياة وهو - إلى ذلك - جميل الطلعة طلق المحيا أنيق اللباس من أثر النعمة والثراء. . .
جاء الموظف الشاب يتأبط أوراقاً وفي رأيه انك تسهلت بعد صعوبة، ولنت بعد صلابة، وأسلست بعد شماس، ونظر فرأى التاجر إلى جانبك فبدا له ما تكن نفسك، وآذاه أن تحدثه في شأن من شئون العمل وهذا التاجر الأجنبي يسمع ويرى، ولكنه صبر على مضض وسكن على غيظ، وبدأت أنت تحدث الموظف الشاب بقولك:(ماذا فعلت - يا بني - بهذا الملف) فقال في هدوء: (يا سيدي، لقد انتهيت من فحصه وربطت عليه الضرائب، والأمر الآن في سبيل التنفيذ). فقلت أنت:(ولكني أريد أن تجيل بصرك ورأيك فيه مرة أخرى، لأن التاجر يشكو عنت المصلحة وغلوها فأجابك (لا سبيل إلى ذلك، فالعمل من ورائي يستحثني وقد خلصت من هذا الأمر منذ زمان) فقلت له في غلظة (ولكنني آمرك) فنظر إليك الموظف الشاب في احتقار ونفضك في مهانة ثم قال لك (تأمرني، نعم، لأنك رئيسي، ولكنني لن أطيع أمرك) فنهرته في شدة قائلاً (ماذا؟ ماذا تقول؟ كيف؟ إنني آمرك ولابد أن تطيع) فألقى الموظف الشاب أوراقه على مكتبك وخرج من لدنك وهو يقول (هذا هو الملف خذه، افعل به ما تشاء. أما أنا فسأعرض الأمر على سعادة المدير العام!) وسقط في