العواقب. ثم إن آراء معاصريه لم ترقه فأراد أن يرد عليهم. لذلك وضع مالتوس كتابه وظهرت الطبعة الأولى منه ١٧٩٨ بعنوان طويل اختصره في الطبعة الثانية عام ١٨٠٣ ويبحث الكتاب في أربعة موضوعات:
العقبات التي تعترض زيادة السكان في الأزمنة الغابرة. ثم العقبات التي تعترض زيادتهم في الأمم الحديثة. ثم دراسة النظم المقترحة لعلاج أضرار زيادة السكان، وأخيراً عرض لآرائه ومقترحاته.
وتتلخص نظريته في السكان في نقط ثلاث:
١ - إن عدد السكان يحدد بالغذاء، فهناك علاقة بين عدد السكان وكمية القوت.
٢ - يزيد عدد السكان كلما زادت كمية القوت إلا إذا وجدت عقبات قوية.
٣ - هذه العقبات التي تجعل ازدياد السكان متناسباً مع الغذاء هي البؤس، أي المجاعة والحرب والأوبئة، والرذيلة أي الخيانة الزوجية والعلاقات الجنسية الفوضوية؛ والضابط الأخلاقي أي تأخير الزواج مع حياة العفة. وهذا العامل الثالث أضافه في الطبعة الثانية بعد إذ أتهمه الناس بالكفر لظنهم أنه إنما ينسب البؤس والرذيلة إلى قوة إلهية.
فمالتوس يرى أن المجتمع الإنساني كالكائن الحي في حاجة دائمة إلى الغذاء. وان من العبث معالجة الفقر بالتوزيع العادل للثروة. وينسب الفقر في المجتمع إلى اختلال التوازن بين عدد السكان وموارد الغذاء، على أن السكان يزيدون على حسب متتالية هندسية والغذاء طبقاً لمتتالية حسابية. لذلك يتضاعف عدد السكان كل ربع قرن: ما لم تكن هناك ضوابط إيجابية أو مانعة. ولم يناد مالتوس بضبط النسل بل نادى بالضابط الأخلاقي.
هذا عرض عام لآراء مالتوس والظروف التي أحاطت به حين تأليف كتابه. أما عن مشكلة السكان في مصر، فقد تحدثت عنها بإيجاز في مقال سابق. وأساسها ازدياد عدد السكان زيادة لا تتناسب مع زيادة الموارد الغذائية، وسوء توزيع الثروة، وإحجام أصحاب الأموال والشباب عن خوض غمار الصناعة واستغلال الثروة المعدنية. والآن يمكن أن نتبين مدى تحقق آراء مالتوس في مسالة السكان في مصر:
لم يتضاعف عدد السكان في ربع قرن بل تضاعف في نصف قرن. وقد يكون هذا راجعاً إلى الضوابط الإيجابية وهي البؤس والرذيلة.