لوجدناها تتفق جميعاً على إن الطبيعة النفسية عند أوديب كانت هي مصدر الكارثة؛ الكارثة التي أدت بأوديب إلى أن يقتل أباه لايوس ويتزوج من أمه جوكاست ويفقأ في النهاية عينيه ليحرم إلى الأبد من نعمة الضياء. . . أوديب عند سوفوكل يبحث عن الحقيقة وعند أندريه جيد يبحث عن الحقيقة، وهو يبحث عنها أيضاً عند توفيق الحكيم؛ فالأساس النفسي موجود عند الكاتب الإغريقي وموجود عند الكاتب الفرنسي وموجود عند الكاتب المصري. وإذا كان الصراع الخارجي بين إرادة الآلهة وحرية الإنسان هو الهدف الأصيل لخطوات العمل الفني عند سوفوكل وأندريه جيد، فإن خطوات العمل الفني عند توفيق الحكيم قد أحالته صراعاً داخلياً بين إرادة الإنسان وبين سطوة الحقيقة. . . هناك صراع مشبوب تثيره في نفس أوديب نزعة التحدي للقوى الخفية ولو كان فيها ألف مورد من موارد التهلكة، وهنا صراع مشبوب أيضاً ولكن الدافع إليه نزعة أخرى هي نزعة الشك الملح في التخلص من الواقع، ولو كان فيه ألف سبيل من سبل النجاة من الكارثة. وكلا الصراعين يتقرر معه المصير على ضوء الطبيعة النفسية التي عالجها الأستاذ الحكيم علاجاً حاول فيه أن يوفق بين فكرة الأسطورة وروح الإسلام!
هذا يا صديقي عن منطق الفن، أما عن منطق الحياة فلا أرى أن توفيق الحكيم قد خالف منطق الحياة أو أعترض سيرها الطبيعي. . . إن الحياة تقدم لنا في كثير من الأحيان نماذج نفسية من طراز أوديب يدفعها حب الاستطلاع والبحث عن الحقيقة إلى كثير من المتاعب والكوارث والآلام! أنا معك في أن حب الحقيقة والسعي ورائها لدى أناس كالفلاسفة والعلماء هو الذي بث شهرتهم في الآفاق وخلد ذكرهم في أعماق الأفئدة، وألهج به الألسنة على مدى الأجيال والعصور. أنا معك حين أقدم إليك واحد ممن ذكرت وهو الفيلسوف الألماني نيتشه. . . ولكن لا تنس إن هذا الفيلسوف العظيم الذي ظل يبحث عن الحقيقة حتى رفع عنها الغطاء، هذا الفيلسوف يا صديقي قد فقد عقله في سبيل الجري وراء الحقيقة!
أختلف معك في هذه النقطة وأختلف معك في نقطة أخرى، هي اعتراضك على الأستاذ الحكيم حين يقول: إن رغبة أوديب في العلم بالحقيقة هي التي جرته إلى ما جره العلم الحديث على الإنسان الحديث ممثلاً في (فرويد) عندما طفق يحفر في أعماق الإنسان إلى