وعلى عيني أن أقول إن شيئاً من هذا يقع في بعض ما نقرؤه من شعر هذه الأيام!.
ودعنا من الحديث الآن حتى نفرغ من شان القديم. وخبرني بعيشك أي شيء هذا الذي ساقه علماء البلاغة شاهداً على حسن التعليل!.
لو لم تكن نيةُ الجوزاء خِدمتَه ... لما رأيتَ عليها عِقد منتطق
وقول الآخر في هذا الباب أيضا. ً
لم تحكِ نائِلكَ السحابُ وإنِّما ... حُمَّت به فَصبِيها الرُّحضاءُ
اللهم افكان من السائغ في الذوق أو في الخيال أن نظرة الشاعر للجوزاء تحيط بها دقاق النجوم لم تلهمه إلا إنها إنما تمنطقت لتقوم على خدمة ممدوحه؟
وهل كان من السائغ أن نظرة ثاني الشاعرين في السحاب وهي تهمي، لم تشعره إلا أنها غارت من كرم ممدوحه لقصورها عن مجاراته، فأخذتها الحمى، فلم يكن ما تسح به إلا من عرقها!
اللهم اشهد أن هذا وهذا كلام بارد مليخ، وهذا وهذا من الخيال الفسل السخيف!.
وبعد، فهذه فسولة الكلام وسخفه إنما ترجع في قرض الشعر في الجملة، إلى أحد شيئين: إما لان الناظم لا طبع له ولا شاعرية فيه، فهو يتصيد الخيال تصيداً ويصنعه صنعاً، ليجئ بنحو ما يجئ به الشعراء، وأما للرغبة في شدة المبالغة، والإيفاء على الغاية من المديح ونحوه، فيسف الشاعر ويسخف، ويأتي بمثل هذا الهذيان الذي أتى به ذانك الشاعران. إلى أن طبيعة هذه الموضوعات ليس فيها مجال عريض لشعور صحيح، ولا لخيال واضح صريح: والحمد لله الذي عفى على كثير من هذا الأدب في العصر الذي نعيش فيه. والنظر، بعد هذا، كيف يقول زهير بن أبى سلمى في مدح هرم بن سنان ووصف كرمه، وكيف، على انه غلا في ذلك اشد الغلو، أتى لهذا الكرم بصورة قوية مسبوكة سائغة.
قد احدث المبتغون الخير من هرم ... والسالكون إلى أبوابه طرقاً
من يلق يوماً على علاته هرما ... يلق السماحة منه والندى خلقاً
وذلك لان يوماً ممدوحه كان جواداً حقاً، وانه هو تأثير بشدة جودهحقاً، وهو إلى هذا شاعر فحل، خصب الذهن سري الخيال، فلم يتعمل ولم يتعسف، بل لقد أنتضح شعره بالصورة التي جادت بها شاعر يته فجاءت، على إمعانها في الغلو، سائغة مسبوكة لا نشوز فيها على