إذا وجد أغراضاً حاول أن يطبق عليها علمه السابق فإذا وجد فيها نوعاً من المغايرة بحث عن الأسباب ودرسها لا أنه ينكرها أو يخضعها بالقوة لمعلوماته.
أول ما يطالعك كتاب اللهجات العربية في مقدمته ويتكرر في ص٣٢:(ولسنا نعلم مؤلفاً من علماء العربية على وفرتهم واهتمامهم بكل دقائق الدراسة اللغوية عني باللهجات العربية عناية خاصة فافرد لها كتاباً مستقلاً) لو أنه قال لم يصلنا مما ألفه علماء العربية كتاب مستقل باللهجات لكان محقاً لكن إنكاره عليهم العناية باللهجات العربية حكم جائر، ولقد رجعت إلى كلمة كتبتها في كراساتي من زمن فوجدتني كتبت منها ما يأتي: وليس إفراد كتاب في لغات العرب بالأمر المستحدث، فقديماً كتبت في هذا الموضوع مصنفات أفردها أعلام العربية بالتأليف، وأول من أفرد كتاباً في لغات العرب هو يونس بن حبيب ونسج على منواله الأصمعي وأبو زيد الأنصاري وأبو عبيده وجرى على نهجهم أبو عمر الشيباني والفراء ثم ابن دريد وغيره، إلا إن أيام الشقاء في بغداد والعراق التي جلبها المغول إليها كانت أشد شقاء على العلم والأدب فعبثت أيديهم بما أنتجته القرائح الفذة وأتت على مجهود كثير من العلماء الأعلام، فلا يوجد بين أيدينا - فيما أعلم - كتاب ينفرد بلغات العرب، وقد قرأ هذه الكلمة أستاذنا المرحوم الجارم بك أيام كان عميداً بالنيابة لدار العلوم منذ ثمانية أعوام، وفيها بخطه لفظان بالقلم الأحمر عدلهما. أرجو أن يراجع الدكتور تراجم من قدمتهم وغيرهم في كتاب ابن خلكان ومعجم الأدباء، وسيجد أنهم عنوا باللهجات العربية عناية خاصة وأفردوا لها كتباً مستقلة، ولكنها مع الأسف لم تصلنا، وقد تكون مختفية في ثنايا مكتبات العالم تنتظر من يخرجها.
في ص٤٢ (ولكن الذي يدعو إلى الدهشة أن قراءة أبي عمرو وتلميذه يعقوب لم تنتصر للإمالة إلا في مواضع خاصة نصت عليها كتب القراءات، ولعل الصراع العلمي الذي كان بين الكوفة والبصرة هو الذي دعا إلى أن تتخذ البصرة طريق الفتح في معظم المواضع حتى لا تشبه الكوفة بإمالتها). . .
حقيقة إن يعقوب لم ينتصر للإمالة إلا في مواضع خاصة، أما أبو عمرو فهو من الذين انتصروا للإمالة ومن المكثرين فيها - يراجع إتحاف البشر - غاية ما في الأمر أن الإمالة قسمان كبرى وهي التي تسمى الإضجاع والبطح، ومتوسطة وتسمى التقليل والتلطيف،