فإذا عدل الواحد فيما بينه وبين الناس، وعدلت الجماعات فيما بينها، والتزمت العدل وآثرته ومرنت عليه ودأبت، زال البغي والعدوان والطغيان، وكل ما يمت إلى هذه المعاني، مما هو خلل في النظام، وميل في الميزان وحيد عن الائتلاف والوئام، ونزوغ إلى الاضطراب والخصام.
وإذا زال التنافر والتنازع والتغابن في صورها الكثيرة، وأحوالها المختلفة، وغلبت قوانين العدل المؤلفة الجامعة، وأخذ الوحدان والجماعات بالحق وأعطت به، وصرَّفت صغار الأمور وكبارها بالعدل، ائتلفت الأعمال، وانقلب البغض حباً، والاختلاف ائتلافاً، والخصام وداً، والتنازع تعاوناً، والتقاطع تعاضداً.
تمثل الوجدان والجماعات، وقد أخذ كلُّ حقه وأعطى حق غيره، وتعاونت الألسن والأيدي والقلوب على خير وسعادة الناس، وتحول هذا الجهد الدائب والعمل الناصب في تدريب الجند، وإعداد السلاح، وتدبير خطط القتال، للتسلط والغصب والجور، إلى اجتهاد في إسعاد الناس دون تفريق بين شرقي وغربي وأسود وأبيض. وانقلب مصانع الدمار وآلات البور مصانع للعمران وآلات لرغد العيش، وجلب الرفاهية للناس ودفع الشر ومغالبة الفقر والمرض وما يتصل بهما من بؤس وتعاسة.
تمثل هذا ثم اعجب لهذه الإنسانية الضالة، والبشرية الشقية تملأ الأرض والسماء عداء وقتالا، وتشغل بالقتال والإعداد له عن خيرها وسعادتها، ثم تحاول بعد كلُّ معركة غسل الدماء، وضمد الجراح، ودفع البؤس غير آلية في الإعداد للمعركة الأخرى. ولن يستقم للناس العمل للخير والشر والسعادة والشقاء معاً، لن يستقم العمل للحرب والسلم، والسعي للعمران والدماء سواء؛ فإما عملوا للشر والتعاسة. يرجون النجاة ولا يسلكون مسالكها، ويقصدون الخير ولا يسيرون على نهجه!
(ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلنا جنات النعيم. ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم).
(ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا عليهم بركات من السماوات والأرض).
كلُّ هذا القلق وهذا الشقاء مما حاد الناس عن العدل.