ولم يكن لدى الزعيم التركي ما يحمله على التشدد، لأن كلُّ المظاهر تدل على أنه قد اقترب من الحصول على صلح يصح أن يقبل.
ولكن لم تمض ثلاثة شهور على هذا حتى انهار كلُّ البناء لأن حكومة أثينا رفضت الاعتراف بقرارات لجنة التحقيق ولجأت إلى تحكيم القوة.
فكانت هزائمهم لسنة ١٩٢١ التي أعقبت توغلهم في الداخل وانتهت بتراجعهم إلى خط أفيون قره حصار وكوتاهية حيث وقفوا سنة بطولها ينتظرون، ذلك لأن الزعيم التركي أراد لهم هذا - وقد يكون المرء في تريثه وإمهاله لخصمه أكثر شجاعة منه في مبادرته بالهجوم ومناجزته لعدوَّه.
وهكذا تحفز بهم سنة بطولها حتى أتم عدته ثم قضى عليهم بضربة كانت الأخيرة.
لأنه في ٢٦ أغسطس سنة ١٩٢٢ هاجم أفيون قره حصار؛ وفي اليوم التالي أتم فتح الثغرة في قلب الجيش اليوناني، فأصدر القائد العم الجنرال تريكوبيس أمراً بالتراجع انتهى بتمزيق الجيش كله ووقوع القائد نفسه أسيراً في يدي مفرزة من الفرسان الأتراك، وكان ختام المعارك احتلال أزمير التي دلها الترك بعد مضي أسبوع وأحد على اختراقهم الجبهة.
أعقب ذلك ضياع الملك من يدي قسطنطين ثم اجتماع مندوبي إنجلترة وفرنسا وإيطاليا في ١١ أكتوبر سنة ١٩٢٢ ليوقفوا الحركات العدائية بهدنة مودانية التي اختتمت بعدها أربع سنوات مملوءة بالأوهام والأخطاء، والتي أرجعت لحكومة أنقرة استنبول وترقيا الشرقية وأدخلت جيشهم إلى أوربا منتصراً تحت قيادة مصطفى كمال فكر بعض عمال بريطانيا عند بدء الاحتلال في نفيه إلى مالطة.
وليس الغرض من سياق هذا الحديث والدخول في التفاصيل أن أشرح حوادث كنت شاهداً لها وعاملاً فيها فبطبيعة المراكز التي شغلتها كمندوب سام لإيطاليا في باريس وقت عقد هدنة مودانياً، وإنما قصدت أن أشير في هذه التفاصيل إلى الأسباب الخارجية الحقيقية التي سببت نجاح الزعيم التركي وساعدته على الوصول إلى هذه النتيجة
لقد حكم الزعيم التركي بلاده منذ ذلك التاريخ وأظهر رغبة وحماساً شديدين للتجديد والتبديل متجهاً بكليته نحو أوربا بشكل جعل مفكري الغرب ينظرون إلى هذه التغييرات