للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بغير النظرة التي كان ينتظرها منهم، لأن أغلبها مظهري، ثم هي ثانوية بجانب الأعمال الضرورية الأخرى ولم تقتصر نتيجتها على أعمال التقاليد الإسلامية التي طالما استمد منها الشعب التركي قوته وجلده في القرون الماضية.

والخطأ العظيم الذي ارتكبه الزعيم في عمله الإصلاحي هو محاولة الجري بسرعة لم يجرؤ عليها المصلحون الذين تقدموه، ولا يبعد أن تكون وسائل الاتصال الحديثة من السكك الحديدية وغيرها وما طرأ على العالم بعد الحرب العظمى قد أثرت فيه وجعلته يعتقد إن فكرة التقريب بين شعوب تختلف اختلافاً ليلً في الأفكار والعواطف أصبحت أمراً سهلاً ولكن هذه الإصلاحات الغربية مهما تشعبت وكثرت فلم تكن في يوماً ما إلا دوراً ثانوياً الذي قام به الزعيم كمنظم وموجد للقوة العسكرية التي كونها من العدم في بلاده، ثم كمحرك لعوامل الدفاع والجهاد بين قومه، وسيبقى أسمه كجندي ورجل من رجال الحرب يذكره التاريخ دائماً مقروناً بالحركة العظيمة التي كان على رأسها.

وقد امتاز مصطفى كمال في كل أدوار حركته الاستقلالية بتيقظه وضبطه لنفسه وطول أناته؛ وكان في أشد الأوقات وأعصبها مالكاً لحواسه شديد الحذر في تصرفاته بقدر ما كان سريع الإقدام والتنفيذ في إصلاحاته وتغييره الطربوش وأخذه بالقبعة.

ولطالما دفعه أنصاره - وفريق منهم يبطن الكيد له - إلى التعجل. فكان يا [ى إلا أن يكون يصبر الشهور وهو لا يبدي نشاطاً للقتال، بل يجمع قواته ويزيد في معدات جيشه، ويزن الآمر حتى يتأكد من أن كل عوامل النجاح في صفه، ثم يوجه ضربته الآخرة. وما أن يقذف بقواته حتى يرى أعوانه أن ذلك التباطؤ الذي طالما أخذوه عليه قد أنقلب إلى دفعة ومناجزة للخصم قوية يسيرها نشاط دائم منظم لا يوقفه عائق حتى يقذف بالأعداء إلى البحر.

والذي يدهش إليه الإنسان إن الصفات التي ملكها الزعيم التركي لم تغادره وهو في أعلى قمة مجده وعلى رأسه أكاليل النصر وطوع أمره جيش يترنح بنشوة الظفر - لأنه غداة المعارك التي أكتسبها تلاقت طلائع جيشه أمام غاليبولي بقوات بريطانية تحاول منعه من العبور إلى الشاطئ الأوربي إذ قرر لويد جرج ساعتئذ أن يوقف سيل الجيش المنتصر أمام المنطقة المحايدة للمضايق، ومعنى هذا قيام حرب جديدة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>