للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حضرنا في نواحيها قصوراً ... مشرفة كأضراس الكلاب

وكان لقصور الحيرة شأن خطير وأحاديث طويلة، دونها التاريخ فأعطانا صورة واضحة عما بذله أولئك الملوك والأمر من جهود جبارة في تشييدها وإقامتها. كما سنرى ذلك فيما.

ومن أشهر قصور الحيرة (اَلخوَرْنقْ) الذي عقدنا هذا الفصل للتحدث عنه. وهو قصر يقع بظهر الحيرة بالقرب منها مما يلي الشرق على نحو ميل أو في شرقي الحيرة في الطريق بينها وبين النجف، وكان على نهر يسمى بأسمه. وقد تجاهل الأستاذ درويش المقدادي قصر اَلخوَرْنقْ وموقعه وآثاره الظاهرة فقال: وفي جنوبي النجف اليوم تل يقال له اَلخوَرْنقْ لعله من آثار المناذرة.

وقد اختلف المؤرخون اختلافاً كبيراً في أصل هذا الاسم ومعناه الأوَّلى الذي اشتق منه، فذهب الخليل إلى أنه عربي الاشتقاق من الخرنق ومعناه الصغير من الأرانب. وارتأى البحاثة الألماني (نلدكة) أنه حرف من العبرية الربانية بمعنى المزرعة والعريش. وذهب (أندريا) أنه إيراني من (كوورنة) بمعنى ذي السقف الجميل. وقيل أنه معرب من (خورنكاه) أي موضع الأكل والشرب. وقيل بل تعريب (خور نقاه) أو على الأصح (خانقاه) وهو الموضع الذي يؤكل فيه ويشرب وإلى هذا المعنى الأخير تميل كفة الرجحان عند معظم الباحثين واللغويين.

وكما اختلف في أسم القصر فقد اختلف أيضاً في بانيه فقال ابن السكيت: اَلخوَرْنقْ بناه سنمار للنعمان الأكبر الأعور السائح ابن امرئ القيس وإلى هذا القول ذهب الهيثم بن عدي فقال: إن الذي أمر ببناء اَلخوَرْنقْ النعمان ابن امرئ القيس بن عمرو. وقال الكلبي: صاحب الخورنق والذي أمر ببناء بهرام جوز بن يزد جرد بن سأبور ذي الأكتاف؛ وذلك أن يزدجرد كان لا يبقى له ولد، وكان قد لحق ابنه بهرام جوز في صغره علة تشبه الاستسقاء فسأل عن منزل صحيح ليبعث بهرام إليه خوفاً عليه من العلة، فأشار عليه أطباؤه أن يخرجه من بلده إلى أرض العرب فأنفذه إلى النعمان وأمره أن يبنى له قصراً مثله على شكل الخورنق فبناه له وأنزله إياه. وقال المسعودى في حديثه عن ملوك الحيرة: وملك الحيرة بن النعمان فارس حليمة وهو الذي بني اَلخوَرْنقْ. . .

ولما فرغ سنمار من بناء الخورنق عجب النعمان من حسن بنائه وإتقانه فأمر أن يلقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>