سنمار من أعلاه حتى لا يبني مثله لأحد. ويقال إنه إنما فعل ذلك به لأنه لما أعجبه شكره على عمله ووصله، فقال: لو علمت أن الملك يحسن إليَّ هذا الأحسان لبنيت له بناء يدور مع الشمس كيفما دارت، فقال له النعمان: وإنك لتقدر على أن تبني أفضل منه، ولم تبنه! فأمر به فطرح من أعلاه. وقيل: بل قال: إني أعلم موضع آجرة لو زالت لسقط القصر كله. فقال النعمان: أيعرفها غيرك؟ قال: لا. فقال لأدعنها وما يعرفها أحد؛ ثم أمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطع. ويقال إن الذي قذف بسنمار أحبحة بن الجلاح بعد أن فرغ من بناء أطم له وهذا القول ضعيف بالنسبة إلى أغلبية أقوال المؤرخين فيما نقلناه أولاً.
والعرب تضرب المثل بفعل النعمان مع سنمار في المكافأة على الفعل الحسن القبيح. فيقال: جازاه مجازاة سنمار. وفيه يقول بعض الشعراء:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
سوى رمه البنيان ستين حجة ... يعل عليه بالقراميد والسكب
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار
وقال آخر:
جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
وقال يزيد بن إياس النهشلي:
جزى الله كمالاً بأسوء فعله ... جزاء سنمار جزاء موفرا
وكان النعمان هذا قد غزا الشام مراراً، وكان من أشد الملوك بأساً؛ فبينما هو ذات يوم جالس في مجلسه في اَلخوَرْنقْ إذ أشرف على النجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المشرق، واَلخوَرْنقْ مقابل الفرات يدور عليه على عاقول كاَلخوَرْنقْ فأعجبه ما رأى من الخضر والنور والأنهار، فقال وزيره: أرأيت مثل هذا المنظر وحسنه؟ فقال لا والله أيها الملك ما رأيت مثله لو كان يدوم. قال. فما الذي يدوم؟ قال: ما عند الله في