خوَرْنقْ من أنه أصبح خراباً في القرن الرابع عشر للميلاد فليس بصحيح لما قدمناه من قول ابن بطوطه والحنبلي صاحب مراصد الاطلاع.
وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري أرادت الحكومة العثمانية إنشاء سراي وثكنة وأنبار (مخزن) لواردات الخزينة العينية فأوعزت ولاية بغداد إلى حكومة أبي ضمير أن تشرع بهذا العمل فلم يكن من تفكير قائمقام أبي صخير العثماني في إنشاء هذه البنايات إلا القضاء على قصر اَلخوَرْنقْ هذا الأثر العربي القديم فأمر بهدم ما كان مائلاً من جدرانه وقبابه ونقل تلكم الأحجار والأنقاض إلى أبي صخير وبنوا بها المواقع التي أشرنا إليها ولا زالت قائمة إلى اليوم. وحكى بعض الشيوخ أنهم وجدوا أثناء الحفريات في إحدى غرف اَلخوَرْنقْ المطلة على بحيرة النجف عصاً من الخشب الأسود وعليها نقوش وزخرف، ولما أخبر القائمقام وإلى بغداد بذلك أمره بإرسالها إلى بغداد، ومن ثم أرسلت إلى الأستانة بطلب من السلطان عبد الحميد.
وقد زرت موقع اَلخوَرْنقْ منذ أيام معدودة لقربه من مدينتي النجف، فوجدت آثاره ظاهرة بالقرب من نهر السدير أو ما يسمى اليوم بنهر كرى سعد، ويقع جنوبي النهر المذكور بمسافة قدرها (٣٠٠) متراً تقريباً، ويبعد عن بدء آثار الكوفة الحادثة على عهد الإسلام بمسافة تقديرها ستة كيلو مترات، وعن بدء آثار مدينة الحيرة بمسافة قدرها أربعة كيلو مترات، وعن النجف (١٢) كيلو متراً أيضاً. وتقع آثاره على أرض رملية جافة مرتفعة ومتصلة بسلسلة مرتفعات طف الحيرة، ويبعد عن فضاء أبي صخير ستة كيلو مترات تقريباً من جهة الغرب، كما يبعد عن آثار مدينة الحيرة القديمة (كنيدرة) بمسافة تقدر بأربعة كيلو مترات تقريباً ويشرف على أرض منخفضة من أراضي الطف انخفاضاً يقدر بعشرين متراً تقريباً من جهة الجنوب الشرقي، ويطل على مناظر جميلة من الرياض الرحبة والبساتين والأنهر. وإذا توجهت إليه من جهة الجنوب تراه واقفاً على قمة جبل مرتفع وهو يتصل من جهاته الثلاث الأخرى بأراض سهلة من أراضي كوفان الرملية، فضاؤه رحب وهواؤه طلق، مبتعداً عن آثار مباني المدن شأو قصور الملوك، أما مساحة أثار هذا القصر فتقدر بعشرة آلاف متر مربع تقريباً بما في ذلك آثار المباني المندرسة والملحقة به والمرافق المتصلة فيه.