أما المؤرخون العرب الأولون فلم يدونوا أخبار الغزوات النبوية وحروب الردة والفتوح التي تمت في النصف الأول من القرن الهجري إلا بعد انقضاء جيلين على اقل تقدير.
وأول من جمع الوثائق الباحثة في الغزوات والفتوح الأولى عروة بن الزبير المتوفى سنة ٩٤ هجرية. فان عروة جمع تلك الوثائق في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان - أي بعد وفاة الرسول بستين سنة، ودونها دون إسناد. ويلى عروة في التدوين ابن اسحق المتوفى سنة ١٥١ هجرية مقتبسا معلوماته من عروة. أما ابن هشام المؤرخ للسير النبوية فاستقى أخباره من ابن اسحق، مع انه توفي بعده بقرن ونصف قرن - أي سنة ٣١٢هـ. ويأتي بعده ابن سعد الواقدي الباحث في حروب الردة والمدون للمفتوح العربية في العراق وفي سورية، وتوفي سنة ٢٣٠هـ، بعد أن عاش ٦٢ سنة. ويليه المؤرخ المشهور الطبري وهو بلا منازع أول مؤرخ عربي اثبت الأخبار التاريخية بطريقة علمية. وتوفي سنة ٣١٠هـ بعد الفتوح العربية الأولى بقرنين ونصف قرن على اقل تقدير.
والحقيقة أن كتاب تاريخ الطبري هو العمدة في استقصاء أخبار الفتوح العربية وهو المرجع الأول والأخير. وهكذا يتضح لك أن رواة الفتوح أو مؤرخيها لم يشتركوا في وقائع الفتوح أو انهم لم يعاصروا أولئك الفاتحين، بل انهم دونوا أخبارها سماعا أو نقلا بعد مرور مدة غير يسيرة على الفتوح. وكان لزاما أن تأتى الأخبار ناقصة ومشوشة ومتناقضة. حتى أمسى الباحث فيها لا يهتدي إلى استنباط بعض الحقائق إلا بشق النفس. والذي يزيد البحث إشكالا كثرة الرواة الذين استند إليهم المؤرخون في تدوين الأخبار. وأنت تراهم يسخون برواية غثها ويبخلون بسميها.
وثمة تناقض بين أخبار الرواة المنتمين إلى الديوان الحجازي والرواة المنتمين إلى الديوان العراقي. وكذلك نجد تناقضا في الروايات التي ينقلها المضري والربيعي واليماني والقيسي، لان كلا من هؤلاء حاول أن ينسب مفخرة الوقعة إلى قبيلته وقد يكون غير مشترك فيها.
٢ - دار الحركات
إن الساحة التي جرت فيها الحركات تمتد من سواحل البحر الأحمر في الحجاز وتنتهي في ارض الدهناء التي تفصل مقاطعة الحسا ومقاطعتي العارض والسدير، وهذه الساحة تتناول