معرفة سبب اشتهار هذا الظريف بأبي دلامة إذ تجد في هذه الكنية شيئاً من الطرافة، والأمر أهون من هذا فطرافة كنيته دعت إليها الصدفة المحضة التي وهبته ولداً متعباً سماه (دلامة) لأنه (كنى باسم جبل بأعلى مكة يقال له أبو دلامة كانت قريش تئد فيه البنات في الجاهلية) كما روى الأصبهاني في أغانيه ذاهلاً عن تصريحه - في مواضع من ترجمة هذا الظريف - يذكر اسم ابنه (دلامة) وضروب عبثه مع أبيه! ومن النوادر التي صرح فيها أبو الفرج بذكر دلامة بن هذا الظريف - قصة نذكرها على سبيل المثال، ونقرأ فيها - في الوقت نفسه - شيئاً من نفسية أبي دلامة وابنه الخبيث: حجت الخيزران، فلما خرجت صاح بها أبو دلامة. قالت: سلوه ما أمره؟ فقالوا له: ما أمرك؟ فقال: أدنوني من حملها. قالت: أدنوه فأدنى. فقال: أيتها السيدة إني شيخ كبير وأجرك في عظيم. قالت: فمه؟ قال تهبين لي جارية من جواريك تؤنسني وترفق بي وتريحني من عجوز عندي قد أكللت رفدي، وأطالت كدي، وقد عاف جلدي جلدها، وتمنيت بعدها، وتشوقت فقدها. فضحكت الخيزران وقالت: سوف آمر لك بما سألت. فلما رجعت تلقاها وذكرها، وخرج معها إلى بغداد فأقام حتى غرض. ثم دخل على أم عبيدة حاضنة موسى وهارون، فدفع إليها رقعة قد كتبها إلى الخيزران فيها:
أبلغي سيدتي بالله يا أم عبيدة
أنها أرشدها الله وإن كانت رشيدة
وعدتني قبل إن تخرج للحج وليده
فتأنيت وأرسلت بعشرين قصيدة
كلما أخلفت لها أخرى جديدة
ليس في بيتي لتمهيد فراشي من قعيدة
غير عجفاء عجوز ساقها مثل القديدة
وجهها أقبح من حوت طري في عصيدة
ما حياة مع أنثى مثل عرسي بسعيدة
فلما قرأت عليها الأبيات استعادتها منه لقوله (حوت طري في عصيدة) وجعلت تضحك. ودعت بجارية من جواريها فائقة فقالت لها: خذي كلما لك في قصري، ففعلت. ثم دعت