إلاً ولا ذمة، ولا ينتظر جزاء ولا شكوراً. وهو في الحالين مبرر سلوكه بفلفسة تثبت فؤاده، وتؤكد سلامة اتجاهه أمام نفسه أو أمام الناس. فهو في الحالة الأولى نفعي، قيمة الفعل الأخلاقي في نظره رهن بمقدار ما يجلب لصاحبه من نفع وما يدفع من نكر، وهو في الحالة الثانية مثالي يفعل الخير للخير، قيمة الفعل عنده لا ترتهن بما يجلبه من نفع، ولكن بما تحدثه في النفس من رضى وطمأنينة. ولو تتبعنا تاريخ الفلسفة لوجدنا كلا الاتجاهين في الفلسفة الأخلاقية. يمثل الاتجاه الأول طائفة السوفسطائيين الذين قادوا حركة فكرية في أثينا إبان القرن الخامس قبل المسيح أعلنوا الثورة على العقائد الموروثة، وسخروا في جسارة من آلهة اليونان ومضوا في شكهم حتى تناول قواعد الأخلاق فأنكروها زاعمين أنها بدعة ابتدعها ضعاف النفوس ممن جردتهم الطبيعة من القوة والامتياز، فتوسلوا بالأخلاق والدين للسيطرة على الأقوياء والموهوبين. أما الخير عندهم فهو المنفعة، والسعادة في إشباع الرغبات والميول التي فطر عليها الإنسان. والواجب يقتضي تحطيم أغلال الأخلاق، لأنها ابتداع يتعارض مع الطبيعة البشرية، وعليه فالإنسان كما يقول أحدهم (بروتا غوارس) مقياس الأشياء جميعاً. . . (فالأشياء هي بالنسبة إلى على ما تبدو لي، وهي بالنسبة إليك على ما تبدو لك، وأنت إنسان وأنا إنسان.) أجل: أنا إنسان، وأنت إنسان - فليمض كل منا وفق هواه، وليجرد كل سلاحه، فالقوة فوق الحق والبقاء للاصلح. وقد أجاد الكاتب الفرنسي (هو نوريه دي بلزاك) في تصوير هذا الأتجاه الوصولي النفعي فيشخص مجرم خطير هو (فوتران) الخارج على المجتمع. يلتقي (فوتران) ذات يوم بشاب هبط باريس يطلب العلم هو (راستنياك) الذي يحمل بين جنبيه نفساً أبية وقلباً ذكياً، وطموحاً نبيلاً، ولكنه مع ذلك كغيره من الموهوبين في مجتمع منحل يعجز عن بلوغ المجد لأنه وقف على من يضحي بمبادئ الشرف والكرامة. يلقاه (فوتران) وهو على هذه الحال من الألم واليأس والرضا - مع ذلك - بالأوضاع والمقادير فيلقنه فلسفة في تلك الكلمات:(أندري كيف يشق الناس طريقهم في هذه الدنيا؟ يشقونه ببريق العبقرية، أو بالمهارة في الخسة. يجب أن تسقط في صفوف البشر كقنبلة أو أن تتسلل بينها كوباء. أما الشرف فلا فائدة فيه). تلك فلسفة يتخذها نفرمن الناس يؤيدون بها مسلكاً عملياً ويبررون بها ثورتهم على مجتمع يرونه ظالماً، وهي لعمري تحمل بين طياتها اعتذاراً ضمنياً عن فعال يحسون