على السلوك من دراسة البيئة لا التعرف على البيئة من دراسة السلوك. ولكن هناك في هذه الناحية صعوبات عديدة، فقد قام العلامتان شيرمان وهنري (١٩٣٣) باختيار خمس بيئات متفاوتة حسب قربها وبعدها من المدينة، ثم قاسا بعد ذلك الأطفال، وفي النهاية فشلا في الوصول إلى نتائج واضحة قاطعة من وجهة نظر التعميم العلمي. ويعود سبب هذا الفشل إلى حقيقة أن أية بيئة توجد لمدة طويلة من الزمن ستجرب إخضاع أفرادها إلى نوع من التأثير البيولوجي الانتقائي. ولكن إذا ما رتبت سلفاً البيئات التي تختلف اختلافاً جوهرياً فيما بينها، ثم وزع الأطفال عليها توزيعاً متناسباً يمكن بواسطته السيطرة على العامل البيولوجي الانتقائي، فإنه يمكن الحصول على نتائج هامة.
وقد أمكن الحصول على تعميمات عديدة حول تأثير النظام والإدارة على الأطفال ومن دراسة الأطفال العاديين ومن شرح حالات البيوت التي يجيء منها الأطفال وشرح خصائص جيرانهم ومعارفهم. وعلى كل فإذا أمكن ملاحظة نماذج من البيوت المتباينة من ناحية الأنظمة السائدة فيها والمتشابهة من النواحي الأخرى، وأمكن كذلك قياس سلوك الأطفال، فمن الممكن الحصول على نتائج هامة أكبر. إن السؤال العلمي الدقيق في بحوث علم النفس الحديث اليوم ليس هو من أي بيت جاء الطفل الذي تبدو عليه متناقضات السلوك، بل هو: ما هي أنواع الحالات البيئية التي تعرض الأطفال لمتناقضات السلوك؟ لأن الانتقال في العصر العلمي الجديد من السلوك إلى البيئة أقل إنتاجاً من الانتقال من البيئة إلى السلوك.