هذه البحار السبعة تخترق الأقاليم السبعة بحسب مواقعها، ولقد وصفها الإدريسي وصفا مسهبا دقيقا ووصف جزرها والبلاد التي تقع عليها إلى غير ذلك في كتابه نزهة المشتاق عند كلامه على الأقاليم السبعين التي شرحناها في التقسيم الثاني. فانه اتخذ في طريقة وصفه للكرة الأرضية أن أبتدأ بوصف القسم الأول من الإقليم الأول متدرجا نحو الشرق إلى العاشر، ثم عاد إلى القسم الأول من الإقليم الثاني متدرجا إلى العشرين، وهكذا سار في طريقه إلى أن تم الكلام على القسم الأخير من الكرة وهو القسم السبعون، وعند كلامه عن كل قسم منها حدده وبين موقعه، وتكلم عن مدنه وجباله وبحاره وأنهاره وعن كل ما يحتويه من ماء ويابس، وعن الدول التي تشغله وعن سكانه وجنسياتهم وعاداتهم وعما يعيش فيه من حيوان وما ينبت فيه من نبات، مبينا كثيرا من خواص ذلك. طبيعية وطبية إلى آخر ما ضمنه نزهة المشتاق من الشرح المسهب والملاحظات الدقيقة.
١٢ - مصير المائدة الفضية واثر خريطة الإدريسي الذي
تركته في علم الجغرافيا ورسم الخرط.
شرحنا كيف وضع الإدريسي خريطته وكيف ألف شرحها، ولقد تم حفر المائدة الفضية ورسم الخريطة وتأليف الكتاب ونشرهما واختيار الأسماء لهما بأمر رجار الثاني في يناير سنة ١١٥٤ كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وبعد إتمام هذا العمل الجليل بستة أسابيع عاجلت المنية رجار الثاني، ولكن ولله الحمد بعد أن استراح ضميره ووصل إلى حل ما استعصى عليه السنين الطوال، وبعد أن قدم للعالم والعلم على يد الإدريسي خدمة من اجل الخدمات في التاريخ، ولعله يشوق القراء الآن أن يعلموا مصير المائدة الفضية وماذا فعل الله بها وان كان مصيرا يوجب الأسف ويثير العبرة، ففي سنة ١١٦. ميلادية بعد وفاة رجار الثاني بست سنوات وفي عهد ابنه (فلهلم) هاجم الثوار القصر الملكي واقتحموه وكان أشنع أعمالهم التي لم تكن موجهة إلى الأسرة النورمانية فقط، وإنما قد ارتكبت - علم الثوار أو لم يعلموا - ضد العلم والعالم اجمع. كان أشنع هذه الأعمال انهم كسروا هذه المائدة واقتسموها فيما بينهم وما هي حقا إلا ثورة، والثورات لا عقل لها، تم هذا الجرم على