من الحيرة والشك والضلال؛ فأبوها رجل مغلق القلب، مغمض العينين، متبلد الشعور والوجدان. زوجته في رأيه ليست زوجته، وابنته في وهمه ليست ابنته. . وتمضي عجلة الزمن لتطوي من حياة الأسرة المعذبة الحائرة عشرين عاما؛ ً لقيت فيها الزوجة ما لقيت من شكوك الزوج وإهماله، ولقيت فيها الفتاة ما لقيت من خشونة الأب وإعراضه! وتشب الفتاة عن الطوق وبين جنبيها قلب يتقلب على جمرات من الحقد على هذا الأب الذي لم يشعرها يوماً بحنان الأبوة، وعلى تلك الأم التي حرمتها هذا الحنان في فجر العمر وشبابه، حين جاءت بها إلى الحياة من رجل غير الرجل. . . وللأسرة صديق يتهمه الزوج بانتهاك حرمة العطر في زهرة كان يمكن أن تملأ بيته بالأرج، وتقف الزوجة والصديق أمام هذا الاتهام السافر موقف المظلوم من القاضي الجائر، فهو إن قدم الدليل على براءته يجد الأذن التي تسمع ولا القلب الذي يشفع! والفتاة البائسة تجلس في الصف الأول من صفوف النظارة لتشهد المأساة بكل خلجة من خلجات الفكر الموزع والعقل المشتت والضمير الملتاع. وينتهي الفصل الأخير بأن تغادر الفتاة المسرح الذي ملأ عينيها بالدمع وأرمض جوانحها بالعذاب، ولكن أين؟. . . إلى هناك إلى البيت الآخر الذي يضم بين جدرانه رجلاً كانت تناديه أبداً بيا (أبي) تناديه بها بالقلب والروح واللسان! كان أبوها حقاً ذلك الرجل الذي لجأت إليه؟ الله يشهد أنه لم يكن للعائلة غير صديق، صديق يحب الزوج ويجل الزوجة ويعطف على الفتاة، ولكن الشك قد أظهره في عيني الزوج المضل بظهر العاشق وفي عيني الفتاة الشقية بمظهر الأب، وما أثقلها من كلمة كانت تلهب شعوره بسياط الأسى الدفين حين تناديه الفتاة بنداء الأبوة وهو عنه بعيد! ويأتي يوم يتدخل فيه القدر ليرفع الغطاء عن وجه الحقيقة، والغشاوة عن عيني الزوج، وكما يستيقظ النائم من نومه الطويل وأحلامه المفزعة، فقد استيقظ الزوج بعد عشرين عاماً ليطلب الصفح من الزوجة والابنة والصديق. . . . ويصفح الصديق عن زلته، وتعفو الزوجة عن سقطته، وتبقى الفتاة يحول البغض والحقد بينها وبين الصفح والمغفرة! وهنا يبد الصراع النفسي العنيف الذي يرتفع بالفن المسرحي إلى الأوج. . . أب يتوسل إلى ابنته أن تصفح، وأت تعفو، وان تعود إليه، أب فرغ قلبه وفرغت حياته من الحب البنوي عشرين عاماً ويريد أن يملأ فراغ القلب والحياة، أب يئن أمام عاطفة ابنته المتحجرة أنين حيوان شجته السهام فراح يلعق جراحه،