من التقدم الصناعي، قال في (ص١٢): (لأن المجتمع الصناعي كان جدياً بأن يحدث مجتمعاً مستقبلياً يكتب مؤلفوه بلغة الشعب وتنتقل اهتماماتهم الذهنية من التأليف عن قدماء العرب إلى التأليف عن مشكلاتنا العصرية في الأخلاق والتعليم والاقتصاد ومكافحة الفاقة. وإني بالطبع لا اغفل هنا ارتباط اللغة بالتقاليد والعقائد وأن هذا الارتباط من أسباب الكراهية للتطور اللغوي) وفي الكتاب كثير من أمثال هذا الكلام. على أن عنوان الكتاب نفسه يدل على أن المؤلف يدعو إلى اللغة العامية، فهي المعنية بـ (البلاغة العصرية) لأن الواو الواقعة بينها وبين (اللغة العربية) في اسم الكتاب، تقتضي التغاير بينهما، أي أن البلاغة العصرية شيء مغاير للغة العربية! والرجل الطيب المجد الغيور ينفي عن الأستاذ سلامة موسى أنه يعيب العربية ويدعو إلى العامية، وقد دفعته طيبته إلى الإغضاء عما استشهدت به من اكتاب، وأعمل جده واجتهاده في عرض أبواب الكتاب ومحتوياته التي منها بحوث في (أثر الألفاظ من الناحية السيكولوجية والاجتماعية والخلقية) ولم يدرك الرجل الطيب - لطيبته - أن المؤلف يقصد بذلك ثلب اللغة العربية فهو يقول مثلاً في أثر الألفاظ النفسي ص ١٤٦:(في لغتنا كلمات تحمل شحنات عاطفية سيئة تؤدي إلى ارتكاب الجرائم (الدم والعرض في الصعيد). ومن محتويات الكتاب التي أشاد بها الرجل الطيب ما جاء في قوله (ولم يقف مؤلف كتاب البلاغة العصرية عند هذه الفكرات بل ارتأى أن يكون المنطق أساس البلاغة الجديدة (ولا تنس أنها العامية) وأن تكون مخاطبة العقل غاية المنشئ بدلاً من مخاطبة العواطف، وذلك لأن البلاغة العربية تخاطب العواطف دون العقل، وهذا ضرر عظيم) ومعنى هذا أن نلغي الأدب كله لأنه يخاطب العواطف ونعمل بلاغة عصرية عامية تحرر بها العلوم ويكتب بها عن كارل ماركس وهنري فورد من أجل خاطر سلامة موسى الذي ألف هذا الكتاب متأثراً ب (عاطفة) الكراهية للغة العربية! إن النتيجة التي يستخلصها القارئ الفطن من هذا الكتاب - بعد أن (يتجاوب) معه - هي أن اللغة العربية علة تأخرنا في كل شيء. . . ففيها كلمات تفسد الأخلاق كالدم والعرض في الصعيد، وهناك ألفاظ مثل الحريم تهدر كرامة المرأة، وهناك كلمات أرستقراطية تبسط السيادة الطبقية كصاحب السعادة وصاحب العزة، وخلوها من ألفاظ الصناعة أدى إلى تأخرنا الصناعي، كل ذلك إلى ما فيها من مترادفات وما تمتلئ به من كلمات بدوية منحوتة