أضيق بحاجاتك ولا أسخر من نزواتك. . . أنا أبوك!
وإذا ابتسمت فعبس أو عبست فابتسم فلا تأس لأنني أنا وحدي الذي أشاطرك سرورك وحزنك، وأشاركك مرحك وشجوك. . أنا أبوك!
وإذا افتقدني - على حين فجأة - فضاقت نفسك بالحياة وهي تتألق فيك عن اللذة وهي تضطرم في قلبك، فلا تدع شجونك تستلبك من سعادتك وأنت على شاطئ البحر كالفراشة الطروب تطير وتقع فلا تقع إلا على مرح وبهجة!
وإذا أحسست بالغربة والضياع فلا تضق بما ترى ولا تفزع مما تجد فغداً أكون معك!
وإلى اللقاء، يا بني، على سيف البحر حيث تموج الدنيا بفلسفة الحرية في معاني اللهو والعرى!
لست آسي، يا بني على عمر مضى خلو من نبضات القلب، ولا على شباب انطوى من دفعات الهوى، لأنك أنت أفعمت قلبي بالحب والأمل والحياة جميعاً!
فأنت النبتة اليانعة النضيرة في صحراء العمر، وأنت الزهرة الرفافة الزاهية في بيداء الحياة، وأنت النشاط في زمن الخمول، والقوة في سني، والخلود في دنيا الفناء!
وأنت نور العين إن أظلمت الحياة، وانطوت زهرة الشباب، وأنت بهجة القلب إن ذوى العود وهي الجلد. . . إن أوشكت القدم أن تنزلق إلى طريق الأبد!
وأنت عمري الدائم، وصوتي المدوي، وحكمتي الأبدية، وروحي الخالدة!
فدعني، يا بني أوقع على أوتار القيثارة الإلهية - قلبي - لحن الحنان الأبوي الذي فاضت به مشاعري يوم أن دفعني العطف لينزل عند نزوات طفولتك الطائشة، فافترقنا لأول مرة!
إن ألحاني شجية أخاذة، غير أن عقلك الغض لا يدرك معناها، ما تبرح في جهلك الأول. . . ولكن حين تصقل السنون عقلك، حينذاك أجلس إلى نفسك وأستشف - في إمعان - ما وراء هذا النغم الحي. . .
لقد رأيت يا بني - ذات مرة - رجلاً يضن على صغاره بالضئيل ويبخل بالتافه، ولكنني رأيت - أيضاً - الحيوان يطعم صغاره ويستمرئ هو المسغبة، ورأيت الطير يزق فراخه ويستعذب المخمصة!
آه، يا من أفنيت عمرك صعلوكاً في دنيا العزوبية!