السالفة. وقد جعلت الحيرة تشيع في نفسي: بينما كنت أحسبه حقائق مقررة، وصفات ثابتة محررة وبين ما ينبغي أن توحي به الجامعية من ثقة، أن تقترن به في الذهن من ضبط ودقة، وما تدعو القارئ أو الدارس إليه من طمأنينة وإيمان، ومن تسليم وإذعان. فبأيهما آخذ، وإلى أيهما أطمئن وأسكن، ألا أن يتحقق الإعجاز، وتلتحق الأولى بالإعجاز. وهكذا جعلت أسائل نفسي: أو يمكن لهذه الجامعية الجديدة أن تغير طبائع الاشياء، وأن تبدل الأرض غير الأرض والسماء، وتنسخ قوانين الوجود فتضع من تشاء حيث تشاء وأيان تشاء، فتنشر أبا تمام بين ناس غير ناسه، وفي زمان ير زمانه؟!
وبعد، فها هنا إذن نوع من الاستحالة الظاهرة في نسبة هذه الملاحظة إلى صاحب اليتيمة، وهي - كما رأينا - استحالة لا مساغ لها ألا على ذلك المذهب العابث، فكيف تأتي للأستاذ ذلك؟ وأنى صدر بهذه النسبة الغريبة التي كان يجب أن تلفته لو أنه وقع عليها على ما فيها من غرابة على الأقل؟! أن تتبع هذه المسألة يثير بين أيدينا لوناً من ألوان الطرافة بديعاً، فلم يظن علينا الأستاذ الفاضل ببيان المصدر الذي صدر بتلك الملاحظة عنه، وإ كان هو لا يعبأ في كثير من الأحيان بالتنبيه إلى مصادره، فأثبت في الهامش تعليقاُ على تلك العبارة الآنفة:(تاريخ آداب العرب للرافعي ٣٦٦: ٣ نقلاً عن اليتيمة٣: ٤١٦).
وهكذا تكون - والله - الدقة الجامعية والأمانة العلمية! تاريخ آداب العرب عن اليتيمة! عنعنة جديرة بالبحوث العلمية الجامعية!
على أنه ينبغي أن تكون اليتيمة هذه مصدراً نادراً أتيح للأستاذ الرافعي أن يطلع عليه، ويرجع إليه، ويصدر عنه بتلك الملاحظة، ثم تقطعت أسبابه، وغاب عن حياتنا الأديبة وجهه، فلم يبقى لنا من ذلك ألا ما نقل الرافعي عنه.
هكذا يجب أن يكون الأمر لتكون هذه العنعنة قيمتها، إذا كان من الأوليات المقررة في أسلوب البحث العلمي أن يكون النص في مصدره الأصلي هو الذي لا معدل عنه، ولا مترخص في التزامه، ولا سبيل إلى تجاوزه أو المسامحة فيه، ما دام ذلك المصدر الأصلي ممكناً بأي وجه من وجوه الإمكان، فلابد إذن أن تكون اليتيمة مصدر غير ممكن.
أفكذلك هي؟
أما أن اليتيمة ليست مصدراً ممكناً فحسب ولكنها مصدر قريب ميسور حاضر، فقد طبع