غير مرة في دمشق والقاهرة، ولم يبعد العهد بعد بطبعته الأخيرة. ويستطيع أي إنسان - دون أن يكون أستاذاً جامعياً تفتح له خزائن الكتب وتتاح له ذخائر الآثار - أن يمد يده إلى أية دار من دور الكتب، أو أي دكان من دكاكين الوراقين، فإذا به يديه. فكيف ساغ للأستاذ الباحث أن يتجاوز هذا المصدر الأصلي، وهو - كما رأينا - قريب حاضر، إلى مصدر آخر غير مباشر؟ وكيف أجيز في رسالة جامعية أن ينكب عن هذه السبيل العلمية المعهودة، وأن يتحدى على هذا النحو أوليات البحث المقررة؟
وقد فعل الأستاذ هذه الفعلة مرة أخرى، بالنسبة لكتاب ككتاب اليتيمة، ذيوعاً وقرباً، وهو أمالي الشريف المرتضى، فقد تجاوزه في نص من نصوصه نقله في كتابه (ص٥٩)، فلم يتكلف الرجوع إليه والأخذ مباشرة عنه، وإنما اكتفي بأن ينقله من كتاب الرافعي أيضاً!
فماذا عسى أن يسمى هذا الصنيع الذي يصر عليه صاحبه إصرارا، ويكرره تكراراً، وبأي وصف يمكن أن يوصف؟ وماذا يرى الجامعيون في هذا المنهج العلمي الجديد الذي يؤثر الدعة، ويأخذ الأمور من حيث تتفق لا من حيث يجب، ويحسب إنما يكفيه في تحقيق الصورة العلمية أن يورد هذه العنعنة التي لا معنى لها، إلا أن يكون القصد إلا شيء من الخداع الرخيص المفضوح؟!
ومع ذلك، فهذا الخطأ المنهجي، وذلك التحدي لقواعد البحث الاولية، أو ذلك الإهمال والاستخفاف بما يجب للعلم والصفة الجامعية الصحيحة من حق وحرمة. . . كل ذلك ليس شيئاً كبير الخطر بالقياس إلى ما وراءه من منكر علمي لا ندري كيف أباحه الأستاذ لنفسه، وكيف أجازته له الجامعة وأجازته عليه:
الرافعي - بمقتضى ذلك التعليق المعنعن - هو المسؤول المباشر عن تلك الإحالة الظاهرة في نسبة القول في حماسة أبي تمام إلى صاحب اليتيمة. . . هكذا جعله الأستاذ - غفر الله له - في سذاجة وغفلة، وبذلك مثله أمام القارئ المتفحص أدنى تفحص في مظهر شائن من الجهالة بالتاريخ الأدبي، والإغفال، لجانب التحقيق العلمي.
والذين يعرفون الرافعي - رحمه الله وأكرم مثواه - يعلمون علم اليقين أنه كان من سعة العلم وقوة العقل، ونفاذ البصر في حقائق التاريخ الأدبي، أنه كان من سعة العلم وقوة العقل، ونفاذ البصر في حقائق التاريخ الأدبي، ورهافة التذوق لأسراره، والإحاطة التامة