للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بأطرافه المختلفة، والدقة العلمية البالغة، وقوة الشخصية والضمير العلمي الذي لا تتطرق إليه الشبه، بحيث لا يمكن أن يتورط في مثل هذه الإحالة، فيضع أبا تمام بين رجال اليتيمة.

وكذلك كنت مستيقناً منذ أول وهلة أن هذه النسبة إلى الرافعي لا يمكن إلا أن تكون مدخولة، وأنه قد أصابها - ولا ريب - نوع من أنواع التزوير، أو فسرت على لون من ألوان التحريف والتحوير. . . . ومعذرة إلى سيدي الأستاذ - غفر الله لنا وله - فالذي استشعرته سلفاً حققته المراجعة، وها هو ذا نص الرافعي - كما جاء في كتابه تاريخ آداب العرب -: (وقد انتقد كتاب الحماسة حمزة بن الحسين، فزعم أن فيه تكريراً وتصحيفاً وإبطاء وإقواء، ونقلا لأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليقبها، ولا تصلح لها، إلى ما سوى ذلك من روايات مدخولة، وأمور عليلة).

هذا هو كلام الرافعي بنصه عن حماسة أبي تمام، وقد صدر به عن رسالة لأبي الحسين أحمد فارس، أوردها صاحب اليتيمة في سياق ترجمته له بين رجال (الجيل)، فليت شعري كيف استطاع الأستاذ الفاضل أن يفهم من هذا النص ما قرره من أن صاحب اليتيمة هو الذي لا حظ على أبي تمام أنه (يخرج الأبيات في كثير من الأحيان عن أبوابها إلى أبواب لا تليق بها)؟

كيف جاز هذا الفهم في نص صريح مستقيم هين قريب، لا عوج فيه ولا غرابة ولا تعقيد، إلا أن تبطل العلاقة بين اللفظ والمعنى، وتنقطع الصلة بين الدال والمدلول، وتصبح اللغة عبثاً وباطلاً، أو هذيانا لا مؤدى له؟ ليس في هذا النص إشارة ما إلى صاحب اليتيمة، فمن أين جاء به؟

هذا هو الأمر الذي يغمرني بالحيرة من جميع جوانبي، إذ لا أستطيع أن أجد له تعليلاً، أو أنفذ فيه إلى تأويل، مهما ساء ظني بالقيم الجامعية الجديدة في هذه السنوات الأخيرة، منذ وقعت في ذلك الكتاب على تلك الأبيات التي عرضت لها في (الرسالة) من قبل، وعرفت بها كيف يفهم الشعر القديم في هذه الأيام، وكيف تدرس النصوص الأدبية في بعض حلقات الجامعة!

ولكن الأمر لم يعد - فيما يبدو - قاصراً على النصوص الأدبية التي تحتاج في درسها إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>