ألوان من الثقافة مختلفة، فقد أصبحت النصوص التقريرية أيضاً موضع خلط في فهمها والاستدلال بها، فهل في هذا النص الذي بين أيدينا أية علاقة أو شبه علاقة بينه وبين ما فهمه الأستاذ منه ونسبة إليه؟ لا شيء من ذلك مطلقاً، إلا أن يكون قد خيل للأستاذ الفاضل أن حمزة بن الحسين المذكور في النص هو صاحب اليتيمة. نعوذ بالله ونبرأ إليه أن يذهب بنا التشاؤم وإساءة الظن إلى هذه الغاية المنكرة!
فهذه سلسلة من الأخطاء يأخذ بعضها برقاب بعض في نقطة واحدة بعينها لم نتجاوزها إلى غيرها، وكلها أخطاء غليظة فاحشة تبعث الفزع وتثير الرعب من هذا المنحدر السحيق الذي يبدو لنا - من خلال هذه النظرات - أن القيم الجامعية التي ظلت الجامعة زماناً حفية بها، حريصة عليها، قد أخذت تتهاوى فيه، ويوشك أن تتردى في قاعه، إلا أن يقيض الله - جلت قدرته - للجامعة من يستطيع أن يعصمها ويحيد بها عن ذلك المصير المزعج المشؤوم!!
وبعد، فما نريد أن ندع هذا الفصل قبل أن نبين للقارئ كيف كان أبو تمام - في نظرة الدكتور الفاضل - يخرج الأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليق به، وهي الدعوى التي ادعاها حمزة بن الحسين في القرن الرابع، وأخذها عنه صاحبنا في القرن الرابع عشر، ثم أبى إلا أن يوجهها ويستشهد لها، ليكون أحق بها وأجدر أن يتبناها، أو لهتف مع الشاعر:
كم ترك الأول للآخر؟
وسنكتفي هنا بأن نورد شاهداً واحداً من الشواهد ساقها تقريراً لتلك الدعوى، لنتبين مبلغ ما أتيح له ووفر في سبيل تبنيها، ونتعرف قيمة تصدى مثله في العلماء، لمثل أبي تمام في الشعراء، نقدا ًله، وتسفيهاً لصنيعه. ولعلنا نستطيع نرى في خلال ذلك مدى فهم الشعر في صورته المجملة، رأينا في ذلك الفصل، مدى فهمه له في صورته المفصلة:
عقد أبو تمام في حماسته باباً سماه باب (الأضياف والمديح قد اعترض أستاذنا الفاضل على عقد هذا الباب بقوله: باب الأضياف والمديح، فهو لا يصلح أن يكون قسماً من الشعر أصلاً، لأن تفريقه على الأقسام الأخرى ممكن، فما يدخل في الفخر فهو حماسة. . . وبعض هذا الباب يدخل الهجاء. . .)
وهذا اعتراض - كما يرى القارئ - متهافت لا قيماً إذ كان تصنيف الشعر أمراً اعتبارياً