ماهيته من الله بل يستمد منه وجوده فقط يدلنا على أنهم تأثروا بعض التأثر بالفلسفة الأربسطوطالية ولا سيما فيما يختص بفكرة الهيولي، وهي عند أريسطو المادة الأولى التي لا صورة لها والتي يقول عنها إنها قديمة وأنها الماهية الأولى للعالم. وفي هذه المناسبة تقول إن القسط الأكبر من مؤلفات الفلاسفة والطبيعيين اليونانيين ترجمت إلى السريانية والعربية في عهد المعتزلة؛ ويكفينا أن نذكر (دار الحكمة) في عهد الخليفة المأمون وعلى رأسه حنين بن إسحق.
إن المعتزلة متفقون على تفسير خلق العالم هذا التفسير وهو أصل أساسي في مذهبهم؛ ولكن هناك مسائل تعد ثانوية في نظرهم تختلف آراؤهم فيها. إذ بينما نرى مثلاً أبا الهذيل العلاف يقول بالجوهر الفرد أي الذرة، نجد النظام يقول إنه لا جزء وإن تقسيمه جائز ولو بالوهم. وبناء على هذا القول كان النظام أول من قال بالطفرة في الفلسفة الإسلامية؛ ومعناها أن الجسم يمكنه أن يمر من مكان أول إلى مكان ثالث أو رابع بينها أجزاء غير متناهية في القسمة وذلك بأن يطفر من الأول إلى الثالث أو الرابع.
الأصل الثاني في فلسفة المعتزلة هو الحرية عند الإنسان. فهم يقولون إن العقل عندما يكتمل نضوجه يمكنه أن يصل إلى إدراك الحقائق الأولى التي يسترشد بها الإنسان في أعماله، وذلك قبل أي تنزيل. ثم إن الإنسان حر أن يعمل بمقتضاها أولاً. فإذا معرفة الخير والشر وما يترتب عن الإعمال من مسئولية وجزاء كلها مسائل يدركها العقل المكتمل. وإذا ما جاء تنزيل فلا يجوز أن يناقض ما يدركه العقل في هذا المضمار بل يجب أن يقويه ويتممه.
جزأنا هذا الأصل أيضاً جزأين: أحدهما خاص بعلم النفس - وكل هم المعتزلة في دراسة النفس هو البرهنة على حرية الإنسان في عمله؛ وهم يردون بكل حماس على الجبرية، في مذهبهم دور أخلاقي مهم يقوم به وهو التمييز بين ما هو خير وما هو شر بواسطة النظر. والجزء الثاني خصصناه للمسألة الأخلاقية. إنهم يقولون إن الخير خير في ذاته، وان الشر شر في ذاته، وليس بموجب إرادة خارجية حتى ولو كانت إرادة إلهية هذه النظرة سيكون لها أهميتها عند دانس سكوت والقديس توما والأكويني في القرن الثالث عشر، ورأى المعتزلة فيها هو رأى توماوي قبل القديس توما بحوالي ثلاثة قرون.