للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عندما يصل العقل إلى معرفة الشريعة يكون الإنسان حراً أن يفعل بمقتضاه أولاً يفعل. فحينئذ تظهر مسألة المعاصي والفسق، ولكن المعتزلة لا يبدون حكماً على الظواهر (أي أعمال الإنسان الخارجية) لأنها لا تدل على ما تكنه القلوب؛ لذلك يلزمون التحفظ في الحكم على أعمال الغير.

ولما كان الإنسان يأتي المعصية حراً فيمكنه أيضاً أن ينوب منها. ولكن المعتزلة يضعون شروطاً للتوبة حتى تكون مقبولة. فيقولون إنها لا تجوز إلا إذا ندم الإنسان على فعله وعزم على أن لا يأتي بمثله. ولكن ألا يمكن أن يتدارك الله الفاسق بلطف ويساعده حتى يصبح مؤمناً؟ إنها لمسألة دقيقة ولكن المعتزلة قالت: إذا وهب الله ذا الكبيرة أي فاسق لطفاً من عنده ليؤمن جاز أن يقول أنه يهيئ كفراً للمؤمنين لصيبح كافراً. ويزيدون على ذلك قائلين إن من آمن حراً فضله أكبر من فضل الذي وهب لطفاً ليؤمن. ومع ذلك لا ينكرون أن الله يهب أحياناً لطفه لبعض الناس ليؤمنوا ولكنها حالات شاذة.

بقي أخيراً مسألة الجزاء. فإن المعاصي تجلب حتماً العقاب، كما أن العمل الحسن يجلب حتماً الثواب. والعقل يدل على ذلك وبطلبه. ولكن في هذا العالم لا يوجد تكافؤ بين الأعمال وجزائها وعقابها فيجب أن يصير هذا التكافؤ في عالم آخر. وعليه فالجنة والنار لازمتان.

فها نحن أولاء بصدد فلسفة كاملة شاملة متماسكة الأجزاء: النقطة الأولى: الله متميز تام التمييز عن العالم - ليس بينه وبين العالم أي مشابه أو تمثيل.

العالم كان في حالة عدم - العالم لا يستمد من الله إلا الوجود

النقطة الثانية: المسالة الأخلاقية - في عالم خاضع لقوانين ثابتة لا يمكنه رد نظرية الجبر وجعل الإنسان مسئولاً عن أعماله إلا إذا كان حائزاً على ملكه خاصة تمكنه من تمييز الخير من الشر كما يجب أن يكون حراً في قصده وعمله.

لذلك سميت المعتزلة أهل توحيد وأهل عدل.

هذا المجهود الفكري مدة قرنين متتاليين فتح الطريق للفكر الإسلامي. وأثر المعتزلة سيكون بيناً واضحاً عند الفلاسفة المسلمين المعاصرين أو اللاحقين لهم مثل الكندي والأشعري.

لذلك سميناهم فلاسفة الإسلام الأسبقيين.

البير نصري نادر

<<  <  ج:
ص:  >  >>