ولو أن الأستاذ أبا حيان رجع إلى نص الطبري، ولم تجعله الرغبة في النقد والتجريح، لعدل عما أنزلق إليه في البيت الثاني من تأويل. فالطبري يحدثنا بأن المرتدة هم الذين دهدهوا الأنحاء في وجه أبي بكر، وأن أبا بكر هو الذي دهده بهذه الأنحاء، دهدهه بها الرجال، رجال بني ذبيان فيمن معهم من المرتدين. وعلى ذلك فالقصة كما رواها الطبري تقتضي أن يكون (يدهدى) بصيغة المبني للمفعول لا المبني للفاعل. وإذا فلا محل للجزم بأن الفعل مبني للفاعل وأن الفاعل أبو بكر، وأن المقصود بالرجال هنا المرتدة من بني ذبيان وليس ببعيد أن تكون (فهبنه) التي تشكك المؤلف في أمرها قائلاً: (كذلك هي بالنص) والتي حاول تأويلها قائلاً: (لعلها من أهاب الإبل والخيل إذا زجرها قائلاً هاب هاب) - ليس ببعيد أن تكون هذه الكلمة من (الهاب) وهو زجر الإبل عند سوقها فقد جاء في لسان العرب في مادة (هـ ي ب): (ولهاب: زجر الإبل، عند السوق. . . وإما الإهابة: فالصوت بالإبل ودعاؤها). فالهاب إذن زجر الإبل وتنفيرها، والإهابة دعاؤها وجمعها. والهاب - كما لا يخفى على الأستاذ أبي حيان - مصدر من الفعل الثلاثي. فأي غرابة في أن يكون الثلاثي من هذه المادة مستعملاً؟ وكيف تكون (هاب) بعد ذلك مجهولة الأصل والمصدر منها موجود في معاجم اللغة؟ أما ضمير الغيبة في (فهبنه) فرجعه أبو بكر في البيت الأول. والفاء تعطف (هاب) على (يدهدى). ويدهدى فعل مضارع، ولكنه يدل على المضي هنا، وإنما عدل به عن المضارع لاستحضاره صورة الحادث فكأنه يقع الآن أمام أعيننا. والأمثلة لاستحضار صورة الحادث فكأنه يقع الآن أمام أعيننا. والأمثلة على ذلك كثيرة نكتفي منها بما ورد في السيرة:(فيأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ). وإذا كان استعمال نون النسوة هنا غريباً، فليس هناك ما يقطع بأن الشاعر القديم لم يقصد إلى استعمالها قصداً. وما أكثر ما كان الشاعر القديم يخرج على قوانين النحو والصرف لقيم شعره! وما أكثر ما كان يخرج على هذه القوانين نتيجة السهو والخطأ. فإذا أخذنا بعد ذلك براوية الشطر الثاني من البيت (إلى قدر، ما إن يقيم ولا يسرى) - وهي رواية أوردها ناشر تاريخ الطبري في حاشية الكتاب إذا أخذنا بهذه الرواية، فقد استقام البيت واطرد المعنى، إذ أن عبارة (ما إن يقيم ولا يسرى) تعود