ترفرف بالهواء وتسقط على الأرض حيث يلتقطها جيش من الصبية الصغار. وأصطف على الجانبين حشد كثيف من النضارة يثير الضجيج ولكن في شيء من النظام، لقد بقي كل في مكانه بفضل الجنود وهم يعبرون الشارع على ظهور الخيل، ويدفعون بأقدامهم أصحاب الفضول في عنف إلى الوراء، حتى لا يختلط الأوشاب بأصحاب الثراء. ومن داخل العربات راح كل راكب يتطلع إلى صاحبه ويناديه ويطلق عليه قذائف من الورد. وها هي ذي عربة قد غصت بالفتيات الأنيقات في ثيابهن الحمر كالشياطين تتعلق بها الأنظار، وتنظر فترى أحد الفتيان في ثياب هنري الرابع يقذفهن في نشوة الشوق بطاقة ضخمة من الزهر في غلاف من (المطاط)، يقذفهن مرة بعد مرة، وكلما هم خفضت الفتيات رؤسهن وأخفين عيونهن، ولكن القذيفة الرشيقة تنطلق في انثناء ثم لا تلبث أن ترتد إلى صاحبها ليقذف بها ثانية إلى وجه جديد!. . . ويستمر الموكب في طوافه ساعة من الزمن يعتري الفتاتين بعدها شيء من الفتور، فترغبان إلى السائق أن يلتمس طريقه إلى خليج (جوان).
وغابت الشمس وراء (الإستريل)، مخالفة ظلالها القاتمة فوق أرض من اللهب، عل القطاع الجانبي من الجبل الممتد عبر الفضاء. وأنبسط البحر الساكن أزرق صافياً على مدار الأفق البعيد، هناك حيث يمتزج بالسماء، ويمتلك الجماعة التي التقت مراسيها وسط الخليج كقطيع من الحيوانات الغريبة، تلك التي تظل فوق سطح الماء جامدة بلا حراك. . . حيوانات من عالم الغيب تقوست منها الظهور وتدثرت بدروع من الزرد، واتخذت غطاء الرأس من عوارض رقيقة كريش الطير، ولها تلك العيون التي تقدح الشرر حين يهبط الظلام!
وانتثرت الفتيات تحت سماء أشبه برداء فراؤه السحب، ورحن يتطلعن إليها من استرخاء ثم همست إحداهن قائلة:
- لله ما أرق هذه الأمسيات!. . . ألا ترين أن كل شيء يبدو جميلاً يا مارجو؟
- بلى، كل شيء جميل ولكن. . . ألا تشعرين أن هناك شيئاً ما ينقصنا دائماً؟
ما هو؟ من جانبي، أنني لأحس السعادة كاملة فلا ارغب في شيء!
- نعم؟ هكذا تظنين، ربما. . . ولكن مهما كانت السعادة التي تحيط بأجسامنا، فإننا نرغب