الزمان تفرق بين الخالدين. دون ان تمحو من الأذهان مشكلة فلسفية كبرى: تلك هي الصراع بين القضاء المحتوم والإرادة الإنسانية المختارة.
ولأترك القارئ لحظات إلى أستاذنا الدكتور طه حسين يكشف له عن الفلسفة التي تتضمنها قصة أوديب عند كل من سو فوكل وجيد:
(هناك قضاء كان اليونان يؤمنون بأنه مسيطراً على كل شئ وعلى كل كائن لا يفلت منه الآلهة أنفسهم. وهناك الإنسان كان يشعر بان له عقلاً يميز به بين الخير والشر، وبان له إرادة يعمد بها إلى أحد هذين الشيئين اللذين يميز العقل بينهما وهما: الخير والشر. فليس هناك إذن بد من ان يكون اصطدام بين القضاء المحتوم الذي لا يفلت منه الإنسان والآلهة، وبين هذه الإرادة التي زعم الإنسان إنها حرة مختارة تستطيع ان تعمد إلى ما تحب وتنصرف عما تكره سواء أراد القضاء أم لم يرد.
هذه الفكرة التي عمد سو فوكل إلى ان يصورها في قصته ومن قبله كان الشعار اليوناني الممثل (ايسكاوس) الذي ذهب في تمثيله إلى تغليب القضاء على الإرادة الحرة المختارة، ومن بعده جاء الشاعر اليوناني الممثل (اروبيد) الذي ذهب إلى كسب الحرية للإرادة الإنسانية وانكر القضاء أو كاد ينكره. إماسو فوكل فتوسط بين الأمرين. لم ينكر القضاء ولكنه لم يلغي الإرادة الإنسانية، وإنما اعترف لها بشيء من الحق واعتراف لها بأنها ان لم تستطع تغيير مجرى القضاء، فإنها تستطيع ان تقاوم هذا القضاء مقاومة ما. . .
صور لنا سو فوكل صراع بين القضاء وبين الإرادة واظهر لنا الإنسان وقد غلبه القضاء. ولكنه لم يغلبه في سهولة ويسر. وإنما غلبه بعد قاومه الإنسان مقاومة عنيفة متصلة، بالغة أقصى ما يمكن ان تبلغ من القوة والعنف. . .).
ثم بمضي الدكتور طه مبيناً تصور اندري جيد لنفس المشكلة: (يصور لنا أوديب مصارعاً للقضاء يغلبه القضاء أولاً. ثم مؤمناً بنفسه معتزاً بآرائه وينتصر على القضاء آخر الأمر. . . أوديب عنده رمز الإنسان الذي لا يؤمن لا بنفسه وبإرادته، قد قبل سعادته راضياً عنها، وهو يقبل شقاءه راضياً عنه، وهو مطمئن كل الاطمئنان إلى ان الرجل الحق هو الذي يتلقى الحياة صامداً لها راضياً عنها، متنعماً بخيرها على علم وثقة أيضا، لا يشكو ولا يتوعوع، فهناك سؤال واحد دائما يلقى على كل إنسان ليس له إلا جواب واحد. إماالسؤال